آية النوفلي.. من قلب بصيرتها ترى الحياة

آية النوفلي -(من المصدر)
آية النوفلي -(من المصدر)
ربى الرياحي فقدانها للبصر لم يمنعها يوما من أن ترى الحياة بإحساسها. آية النوفلي (23 عاما) تؤمن بأن النور أقوى من العتمة حتى وإن صعب المسير وتعثرت الخطوات. هي وبكل الإيمان الذي تحمله في قلبها قادرة على أن تبصر بحواسها كل ما يدور حولها وتشعر به. وبالإصرار والتحدي والطموح تقرر آية أن تمضي بالحياة غير آبهة بالصعوبات كل ما تريده هو أن تنفع نفسها وتسند أهلها وتكون فخرا لكل من يعرفها. دراستها للتربية الخاصة وعشقها للتقديم ومنتجتها للفيديوهات ورغبتها في أن تتعلم أكثر دون توقف، كلها براهين تثبت أن العجز ليس مرتبطا على الإطلاق بالإعاقة وأن فقدان البصر لا يعني فقدان الحياة والأمل والإصرار على الإبداع ولن يكون أبدا. كف البصر رافقها منذ الولادة؛ تقول آية انه وبعد أيام قليلة من ولادتها لاحظ والداها وجود مشكلة لديها في البصر وكان ذلك بسبب تعرض والدتها للأشعة خلال الحمل ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلتها مع العلاج على أمل أن تسترد آية ولو جزء بسيط من بصرها. وعلى عمر الشهرين خضعت لأول عملية، الحل كان هو زراعة قرنيات وبالفعل بعد كل عملية كانت تستعيد نظرها لكن لم يكن يمضي سوى وقت قصير حتى تتلف القرنية وتفقد آية البصر مجددا وبقيت على هذا الحال حتى بلغت الخامسة من عمرها، وحتى ذلك الوقت كانت قد خضعت لـ56 عملية تقريبا لكن مشيئة الله كانت أقوى من كل الحلول والخيارات فقد جاء في التقرير النهائي لحالتها وبإجماع الأطباء أن لا أمل من شفائها وأنها ستفقد البصر كليا. وتبين أنها راضية بما قسمه الله لها فلا أحد يستطيع رد القدر الرضا والتسليم في هذه الحالة هما سلاحها لتتمكن من أكمال طريقها بعزيمة قوية لا تلين أمام خيبات الواقع وتحدياته، تصنع أجنحتها بنفسها دون أن تسمح لليأس بأن يخترق أسوار قلبها الممتلئ بالإيمان والطموح. وعن دراستها تشير آية إلى أنها بدأت تتعلم لغة برايل قراءة وكتابة في عمر الثلاث سنوات وعند بلوغها السادسة التحقت بمدرسة خاصة بالمكفوفين تلقت فيها تعليمها الابتدائي وخلال تلك الفترة واجهت بعض التحديات من بينها أنها لم تكن تشعر بأنها تعيش كباقي الأطفال، لكون السكن الداخلي قائم على القوانين يخضع فيه الطلبة لروتين معين قد يكون قاسٍ بعض الشيء ليس فيه وقتا للعب. وجودها في السكن الداخلي، وخاصة في سن صغيرة كانت له إيجابيات وسلبيات فمن جهة استطاعت أن تعتمد على نفسها في الكثير من الأمور وهذا بالطبع علمها تحمل المسؤولية وأن تكون أقوى، ومن جهة أخرى شعرت بعد خروجها من السكن أن هناك أشياء كثيرة فاتتها لم تعشها مع عائلتها فقد حرمت ذلك الجو الأسري لفترة من الوقت. وصولها للمرحلة الإعدادية فرض عليها أن تنتقل لمدرسة أخرى، وذلك لأن المدرسة الخاصة بالمكفوفين آنذاك كانت فقط للصف السادس وهنا وجدت آية أن من الأفضل لها أن تخرج للمجتمع وتختلط بأقرانها من المبصرين. وتلفت إلى أن التحاقها بالمدارس الحكومية لم يكن سهلا على الإطلاق، إذ أنها جوبهت بالرفض من قبل مديرة المدرسة، لكن والدها لم يستسلم بل عزم على تسجيلها بهذه المدرسة لإيمانه الكبير بحق ابنته في التعليم وأنها كغيرها قادرة على التميز رغم كل العراقيل. لذا لم يكن أمام الوالد حل سوى اللجوء لوزارة التربية والتعليم للمحافظة على حق ابنته وعلى الفور تم إرسال كتاب لمخاطبة المديرة وقبولها في المدرسة. أما بالنسبة للمشكلات التي تعرضت لها آية داخل المدرسة، فقد كانت كثيرة، حيث انتقالها من بيئة إلى بيئة أشعرها حتما بالغربة في البداية، فكل شيء مختلف من حيث طريقة التدريس والطلاب وحتى المعلمين، وهذا يرجع سببه إلى أن المدارس عموما تفتقر للتعليم الدامج. وتشير إلى أنها ليست الوحيدة التي عانت أثناء وجودها في المدارس الحكومية، بل هناك أشخاص كثر من ذوي الإعاقة اضطروا لترك الدراسة لأنهم لم يستطيعوا مواجهة التنمر وقلة الوعي وانعدام التهيئة أيضا. ووفق آية، فإن البيئة ليست هي العائق الوحيد أمام دمج الطلبة من ذوي الإعاقة بغيرهم، إنما هناك عوائق أخرى كالرفض وغياب التقبل سواء من الطلبة أو حتى من المعلمين. فهي ومن خلال تجربتها تجد أن عدم وجود بيئة دامجة في المدارس يعود لأكثر من سبب أهمها ثقافة المجتمع ورهبة البعض من الاقتراب من الشخص ذوي الإعاقة والتعامل معه على أنه يفتقد لكل الحواس وهذا تماما ما عاشته على أرض الواقع. وتتابع؛ هناك من الطالبات من كن يعتبرنها غير قادرة على فهم الدروس أو السمع لمجرد أنها كفيفة، كما واجهت ذات المشكلة مع بعض المعلمات، لذا فإن الصعوبات لم تتوقف عند ذلك الحد فقد كان أمامها تحديات أخرى كفيلة بأن تعيقها مثل قلة الكتب المطبوعة بلغة برايل وعدم توفرها بشكل دائم، وقد زادت هذه الصعوبات عند وصولها للمرحلة الثانوية، لكن ذلك لم يوقفها أو يحبطها نهائيا. ظلت آية تتكئ على الطموح في داخلها لم تنحن لليأس، فاستطاعت أن تجتاز امتحان الثانوية العامة وتنجح بمعدل 78، حيث كانت الأولى على شعبة الأدبي في مدرستها. وبدخولها للجامعة، اختارت الالتحاق بتخصص التربية الخاصة في جامعة العلوم الإسلامية لاعتقادها بأنها قادرة على أن تعطي فئة ذوي الإعاقة أكثر من غيرها لكونها واحدة منهم تفهم تماما ما يحتاجون، ولديها كل الاستعداد لمساعدتهم. وتؤكد أنها تميزت بهذا التخصص كثيرا فكانت الأولى على دفعتها بتقدير امتياز، وقد حرصت منذ دراستها لهذا التخصص على التدريب في المراكز الخاصة بذوي الإعاقة آملة أن تغير في واقعهم ليستطيعوا جميعا الوصول لأردن دامج وعلى كل المستويات. تقول آية الصدمة كانت بعد تخرجها من الجامعة، وتحديدا عندما بدأت تقدم طلبات توظيف للمراكز والمدارس المعنية بذوي الإعاقة، ففي بادئ الأمر وعند قراءتهم للسيرة الذاتية الخاصة بها يتحمسون لتشغيلها، لكن بمجرد معرفتهم أنها كفيفة يزول ذلك الحماس ويشرعون في خلق الأعذار والحجج ليتهربوا من توظيفها. ومؤخرا حاولت آية التركيز على موهبتها في التقديم الإذاعي علها تجد مكانا لها في مجال الإعلام الذي تهوى احترافه منذ أن كانت صغيرة، لذلك جربت أن تقدم على أكثر من مكان ومن بينها إذاعة محلية من خلال تسجيلها لفيديوهات بصوتها تقوم هي بمنتجتها على هاتفها الشخصي بالاعتماد على التكنولوجيا التي أسهمت وبشكل كبير بمساعدة ذوي الإعاقة وتحديدا المكفوفين. كما أنها انضمت لدورة عبر اليوتيوب تعلمت خلالها أهم المهارات التي يجب أن تتوفر بالمقدم الإذاعي. وتأمل آية أن يتم النظر إلى الشخص ذوي الإعاقة بإنصاف وبناء على قدراته. محاولات كثيرة قامت بها من أجل أن تحظى بفرصة عمل وذلك عن طريق الأونلاين، لكن ما يزال الرفض يأتي على الفور عندما تخبرهم بأنها كفيفة. متسائلة: لماذا هذا الاجحاف بحقوقنا، “فأنت كصاحب عمل لا يهمك سوى أن يتقن الموظف عمله على أكمل وجه ليس أكثر وهذا بالضبط ما يتمتع به الشخص صاحب الإعاقة باعتباره حريصا على استقلاليته وعلى أن يكون منتجا في المجتمع له موقعه”. آية وبعد مرور عامين على تقديمها لديوان الخدمة المدنية اليوم رقمها 1 على الحالات الإنسانية وهي أيضا تتابع دراستها في الجامعة الهاشمية، ماجستير في الإرشاد النفسي. مبرهنة بذلك على بصيرتها باجتيازها للطريق مهما كانت العوائق. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان