"أبحاث في الأدب الأندلسي".. عوالم تاريخية وحضارية يسردها صلاح جرار

WhatsApp Image 2021-04-18 at 12.23.02 AM
WhatsApp Image 2021-04-18 at 12.23.02 AM

عزيزة علي

عمان - يرى وزير الثقافة الأسبق د.صلاح جرار، أن الأدب الأندلسي ما يزال يزخر بعدد كبير من المواضيع والقضايا التي تستحق الدراسة والبحث والتنقيب والتحقيق، فلا يكاد الباحث يطالع شيئاً من هذا التراث أو نصاً من نصوصه حتى تتدفق أمامه أسئلة كثيرة تثير شهية المتابعة والبحث عن إجابات عنها، وحتى ينطلق تفكيره نحو آفاق واسعة وممتدة من جوانب الحياة الأندلسية أدباً وحضارةً وثقافةً وتاريخاً وغير ذلك.اضافة اعلان
ويقول جرار في مقدمة كتابه "أبحاث في الأدب الأندلسي"، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إن التراث الأندلسي كنز عظيم الأهمية كثير التنوع والغنى ما يزال بحاجة إلى التنقيب عن خفاياه وأسراره وأبعاده وقيمه ودلالاته ونصوصه، داعيا الباحثين الى الالتفات لأهمية ما وصل إلينا من التراث الأدبي الأندلسي -شعراً ونثراً وموشحات وأزجالاً وغير ذلك- للكشف عن جوانب خفية اجتماعية وحضارية وثقافية وسواها في الحياة الأندلسية.
ويعتبر المؤلف أن الأدب هو رديف للتاريخ وأداة مهمة من أدوات تعزيزه وتوثيقه وتصويبه وتصحيح ما وقع فيه من أوهام، فإن بين الأدب والتاريخ من الوشائج ما لا يجوز إغفاله، فبعض الأدب صدى لأحداث تاريخية، وهو بذلك يعزز الرواية التاريخية ويجلي بعض حقائقها، مؤكدا أن بعض الأدب يصنع التاريخ من خلال دوره في التحريض وبث الحماسة ورفع المعنويات والاستنجاد والاستنهاض والحث على ما ينفع الناس والدول، وبعض الأدب يتضمن بتلقائية وعن غير قصد إشارات عن تفاصيل في الواقع الاجتماعي لم يتعرض لها المؤرخون.
ويوضح جرار أن النص الأدبي لا يكتفي بتعزيز الواقعة التاريخية والكشف عن بعض خفاياها، وذلك من خلال تسليط الضوء على تفصيلات صغيرة قد لا تستوقف المؤرخ، وإنما ينقل لنا أثر الحدث التاريخي في وجدان الناس وعواطفهم، وموقف الناس من ذلك الحدث.
جاء الكتاب في أربعة مباحث، كما يشير جرار، تغطي عصور الأدب الأندلسي، بدءا من البحث في سيرة الشاعر إسماعيل بن بدر وشعره مما يمثل عصري الإمارة والخلافة الأموية، وتجليات الشخصية الأندلسية في شعر وصف الطبيعة ممثلاً لعصور الأدب الأندلسي كافة، واتخاذ
بني نصر اللون الأحمر شعاراً لدولتهم وتجليات ذلك في الأدب ومقامة الوباء للزجال ممثلين لعصر بني نصر في الأندلس (635-897ه)، لافتا الى حرصه على تناول هذه المباحث للنصوص النثرية والشعرية الأندلسية، وجعل فهرس المصادر والمراجع التي اعتمدها في كل بحث من هذه الأبحاث في آخر كل بحث على حدة.
وخصص المبحث الأول للحديث عن الشاعر القرطبي إسماعيل بن بدر المتوفى سنة 351هـ، وهو أحد شعراء أواخر عصر الإمارة الأموية والنصف الأول من عصر الخلافة الأموية في الأندلس، وكان شاعراً مشهوراً في عصره وشهد له بذلك عدد من مؤرخي الأدب الأندلسي، لذلك قام جرار بالحديث عن سيرته وشاعريته ومواضيع شعره وخصائص شعره، وجمع ما تبقى من شعره، الذي بلغ مجموع ما عثرت عليه ثلاثاً وعشرين قصيدة ومقطوعة شعرية، حيث قام بتخريجها من مصادرها المختلفة وتوثيقها وتحقيقها.
فيما يتحدث المؤلف في المبحث الثاني عن تجليات الشخصية الحضارية الأندلسية في شعر وصف الطبيعة الأندلسي، وقد وقف هذا المبحث على جوانب واضحة من الشخصية الأندلسية عبر عنها شعر وصف الطبيعة مثل: سلامة الذوق والميل إلى الراحات والتبسط والفكاهة وحب الجمال وحب الوطن وحب الزينة ورقة الطباع ورهافة الحس وحب النظام وعشق الفن، وغير ذلك، مستشهدا على كل عنصر من هذه العناصر ببعض المقطوعات الشعرية التي قالها شعراء الأندلس في وصف الطبيعة.
بينما يتناول المبحث الثالث اتخاذ اللون الأحمر في مملكة بني نصر (635-897هـ) شعاراً رسمياً لهم، محاولا استجلاء هذه الظاهرة والبحث في أسبابها وتجلياتها في الحياة العامة في غرناطة وفي الشعر والنثر والموشحات، كما رصد ما أمكن من النصوص والإشارات التي تتحدث عن اتخاذ بني نصر الرايات الحمراء والقراطيس الحمراء والملابس الحمراء وركوب الخيل الحمراء وعلاقة ذلك باسم جدهم ابن الأحمر وبمسمى قصر الحمراء وغير ذلك.
وقد خصص جرار المبحث الرابع، لدراسة إحدى المقامات الأندلسية، وهي "مقامة الوباء"، لأبي علي عمر بن علي الزجال المالقي (المتوفى بعد 844هـ)، وفي هذا النص المقامي من الأساليب الفنية ومن الدلالات والمضامين الموضوعية ما يستحق الدراسة والتأمل، فهو يتحدث عن وباء الطاعون الذي انتشر سنة (844هـ) في غرناطة، حيث أشفق كاتبها على سلطان غرناطة آنذاك الغالب بالله محمد الأيسر (ت857هـ)، فكتب له هذه المقامة يدعوه إلى الانتقال إلى مالقة التي كانت خالية من الطاعون حينذاك، جاءت هذه المقامة على شكل رسالة على لسان مدينة مالقة تخاطب بها الحمراء وتعاتبها على تمسكها بالسلطان في أثناء انتشار ذلك الوباء، وتقدم لها الأدلة والمسوغات التي تستدعي انتقال السلطان إلى مالقة.
ويذكر أن د.صلاح جرار يحمل درجة الدكتوراه في الأدب الأندلسي من جامعة لندن، وعمل أستاذا في اللغة العربية وآدابها في عدد من الجامعات، وله العديد من المساهمات العلمية والأكاديمية والثقافية، له عشرات الأبحاث والكتب المنشورة والمحققة في الشعر والنقد والتراث، منها في الشعر "ترويدة الغيم والشفق"، "في الطريق إليك"، وفي مجال الدراسات صدر له "دراسات جديدة في الشعر الأندلسي"، "مدينة مالقة: أردن الأندلس، صفحة مجهولة من التاريخ الأردني"، "ولادة بنت المستكفي"، "زمان الوصل: دراسات في التمازج الحضاري والتفاعل الثقافي في الأندلس"، "صلاة في أوقة الزهراء-قراءة في المشهد الحضاري الأندلسي في القرن الرابع الهجري"، "المثقف والتغيير: في المشهد الثقافي المعاصر".