"أبشر.. يصير خير"

في المجتمعات العربية يستخدم الشيوخ والمخاتير وبعض أصحاب النفوذ عبارة "يصير خير" أو "عين خيرا" في الرد على مطالب الناس واصحاب الحاجات الذين يقصدونهم للخلاص من مشكلة او للحصول على خدمة او للتوسط في حل اشكالية يستعصي حلها دون مساعدتهم.اضافة اعلان
الرد على طلب المحتاج او القاصد بهذه العبارات في البادية ومجتمعات الوفرة الخليجية يبعث على التفاؤل ويشير الى توفر النية لدى اصحاب الشأن للعمل على تحقيق مطلب صاحب الحاجة. لذا فقد ظلت هذه العبارة او الاشارات الايجابية التي يتلقاها الطالب "القاصد" من "المقصود" فمن غير المتوقع ان لا يفي العربي بوعده مهما كان الثمن. والشيوخ يحرصون على ان يلبوا مطالب الناس وان لا يخيّبوا امال من ظنوا بهم خيرا.
في العديد من الاوساط الاجتماعية وحتى المؤسسات التي تدار بعقلية عشائرية تتعرض هذه العبارة الجميلة الى الكثير من التشويه وسوء الاستخدام الذي أفقدها الكثير من المضامين والمدلولات التي اعتاد الناس عليها.
اليوم يستقبلك بعض ممن هم في مواقع المسؤولية بالكثير من الترحاب والابتسامات ويتجاوبون مع المطالب والشكاوى والاعتراضات مستخدمين عبارات توحي بنيتهم عمل شيء او تلبية المطالب والتصرف حيال المظالم والاعتراضات، لتكتشف لاحقا انهم لا يعنون ما يقولون وان كل الاستجابات الحميمة واللغة العذبة لا تتعدى تمرينا من تمارين استعراض الموظفين لكل ما تعلموه في دورات العلاقات العامة.
 في الاردن اصبح من الواضح ان البعض يستسهل استخدام عبارات من مثل "بأمرك" و"أبشر" و" فورا" و"على طول" في غير مكانها وبشكل يتعارض مع المعنى والوظيفة والسياق التقليدي لاستخدامها. الكثير من الشباب والموظفين الذين حلّوا في مواقع المسؤولية يجدون في هذه العبارات أدوات فعالة في استرضاء أصحاب المطالب والمراجعين دون الالتزام بإيجاد حلول واقعية للمشكلات او حتى الدراسة الموضوعية لهذه المطالب. في العديد من المواقف يلجأ البعض لاستخدام اللغة الايجابية ومفرداتها لفض المجلس او انهاء النقاش او للرفض المؤدب لطلب أو رجاء أو توسط البعض.
 الكثير من الاردنيين اصبحوا يعرفون المقصود من العبارات الباعثة على الامل وأوجه استخدامها ومدلولاتها الجديدة. الوظائف الجديدة للعبارات التي كانت تحمل الكثير من المعاني وتبعث على الثقة والامل لا تتجاوز تبديد الامل وتأجيل البحث ورد الاشخاص ردا ناعما.
  في إحدى مؤسسات الدولة الخدمية تقدم مواطن لطلب خدمة روتينية بسيطة وقد جرى استقباله من قبل ادارة المؤسسة بحفاوة وترحاب وقيل له بأن الخدمة سهلة وسيتم تنفيذها خلال ايام. يومها عاد المراجع الى بيته شاكرا ومتأثرا بدفء الاستقبال وحسن التصرف وسرعة الاستجابة اللفظية لمطلبه الاعتيادي.
اليوم وبعد مرور اكثر من 180 يوما على اللقاء الاول بالمدير ومراجعة الدائرة ما يزيد على عشرين مرة لم تنفّذ الخدمة ولا يوجد ما يمنع من تنفيذها. الاجابة السحرية التي يستخدمها العاملون في الدائرة الخدمية عند كل لقاء تتمثل في "توكل على الله.. يصير خير". حالة صاحبنا هذه ليست الوحيدة بل عينة من تجارب وخبرات العديد ممن يراجعون الدوائر التي تحتاج الى الكثير من التحديث في تنظيمها وإجراءاتها وإداراتها وأسلوب عملها ومراقبتها.
 حالة المراجع الذي ينتظر الخدمة الموعودة لا تختلف عن حالة البلاد وهي تنتظر ما قد يحصل في الإقليم والكل يستأنس بالدعوات ويتمتم بالرجاء ويعرف أن الدعوات والوعود لا ولن تحقق إنجازات اذا لم تكن هناك عزيمة قوية وإيمان صادق بالعمل والخدمة ورغبة في التغيير والتقدم ومحاسبة جادة للمقصرين ويتمنى حصول معجزة تسهم في تبدل الاحوال.