أبشع ما في جريمة الزرقاء

أبشع ما في القصة السطر الثاني منها. مجرم مختل يعتدي جنسيا على طفلتين في الزرقاء، جريمة تهز الأبدان، طالما وقعت جرائم مشابهة لها، لكن ما قولكم في ذلك الشخص الذي وقف يشاهد الجريمة ويصورها على هاتفه النقال، ثم يقوم بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي؟! تدخلت الأجهزة الأمنية فور نشر الفيديو، وبوقت قياسي ألقت القبض على مرتكب جريمة الاعتداء الجنسي وعلى من قام بتصويرها وتوزيعها. في مجرى الدفاع عن دور وسائل التواصل الاجتماعي وشيوع مفهوم "المواطن الصحفي" تعززت القناعة بأهمية هذا الدور في كشف وتوثيق التجاوزات والمخالفات العامة، وحشد الدعم المجتمعي لتصويبها، والضغط على السلطات الحكومية للتدخل وقبل ذلك مراقبة سلوك المسؤولين والدفع لمحاسبتهم إن هم أخطؤوا. لكن في غياب معايير مهنية وأخلاقية تضبط عملية النشر، وحالة الهوس العام بحصد "اللايكات" وكسب المتابعين، سقطت كل المعايير، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي ميدانا للتنافس بدون كوابح أو ضوابط إلى هذا الحد الذي بلغته في جريمة الاعتداء الجنسي على الطفلتين. كيف يمكن لشخص سوي أن يقف متفرجا على جريمة اعتداء جنسي على أطفال، وينشغل بتصويرها وتوزيعها، دون أن يحرك مشهد الجريمة في داخله الدافع للتحرك أولا لمنعها، ومن ثم الاتصال بالجهات الأمنية للتبليغ عن مرتكبها؟ قد يكون هذا الشخص حالة خاصة لا تمثل عموم المواطنين في الأردن. أميل إلى هذا التفسير، ولا أشك بأن النخوة والرجولة لم تنعدم فينا، فهى ما تزال حاضرة في الوجدان، وكثيرا ما نشهد نماذج مشرفة عليها. لكن هذه الحالة هي بمثابة جرس إنذار لمستوى الانحدار في السلوك والذي نجم عن جنون بعض الناس بالنجومية والشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنها تحولت وسيلة للقطيعة الاجتماعية والسلبية، إلى الحد الذي يجعل من المرء متفرجا لا بل مشاركا في جريمة اعتداء جنسي على أطفال. سمعت من أصدقاء عن نماذج مشابهة لسلبية قاتلة، تفضل التقاط الصور على التدخل لمساعدة أشخاص يواجهون الخطر، وقد شهدت أكثر من مرة نفرا من المواطنين يهرعون لمساعدة ركاب سيارة تعرضت لحادث سير، فيما مجموعة أخرى تنشغل بتصوير الحادث وتتسابق لنشره على "فيسبوك" و"تويتر". انتهازية قاتلة تنم عن انعدام إخلاقي، يغذيها جنون الاعتقاد الفردي بتحقيق السمعة والشهرة على حساب حياة الآخرين وخصوصيتهم وحق الضحايا في حفظ كرامتهم الإنسانية. جريمة تصوير حادثة الاعتداء الجنسي على طفلتين، تعادل في بشاعتها جريمة المعتدي، ويستحق مرتكبها جزاء بنفس المقدار. لكن الأهم من ذلك هو كيفية التعامل مع هذه الثقافة المتوحشة التي زرعتها "الميديا" الجديدة في نفوس الناس، ومقاومة ثقافة القتل والجريمة، والتطبيع المتسارع مع سلوكيات شاذة وبشعة، إذا ما استمرت على هذا المنوال ستحيلنا إلى كائنات حية مجردة من إنسانيتها وضميرها وأخلاقها. يمضي الملايين منا في عالم التواصل الافتراضي، دون انتباه للتحولات التي تجتاح عقولهم وسلوكهم، وينتهي بهم الحال إلى فقدان ميزاتهم كبشر بعد أن أصبحوا مجرد حسابات وصفحات يقضون وقتهم في ألعاب القتل، ومشاهدة فيديوهات الموت والجنس والشذوذ.اضافة اعلان