أبعد من قصة التقصير والإهمال

مؤلم أن يذهب الانسان نتيجة خطأ طبي وأن نخسر ضحايا نتيجة الفشل في التشخيص والإهمال؛ هذا يحدث للأسف في كل دول العالم بما فيها المتقدمة طبياً ولكن هذا لا يعني تبرير ما حدث مطلقاً؛ في النهاية كل هذا التعاطف والشعور بحجم الألم مطلوب لكن المهم هنا المسألة القانونية حتى لا يظلم أحد ولا تتكرر الأخطاء والأهم المراجعة الحقيقية ليس فقط من الحكومة بل من المواطنين أنفسهم ونظرة الأهالي واندفاعهم لأرسال ابنائهم لدراسة الطب بغض النظر عن مستواهم الأكاديمي. من السهل تحميل الوزير المسؤولية؛ وأن يطالب النواب بإحالته للتحقيق أو حتى طرح الثقة فيه؛ لكن المهم مناقشة المشكلة من جذورها وحتى لا نصل لمرحلة يقرر فيها موظف لا يستحق مكانه اوعديم إحساس بالمسؤولية مستقبل الوزير أو حتى الحكومة من خلال التشويش والارباك استجابة لدوافع شخصية وانتهازية؛ لنتذكر أن كل الأخطاء التي حصلت كانت بسبب موظفين أردنيين لم نستوردهم من المريخ والاصل فيهم الانتماء لأهلهم وبيئاتهم ويمارسون قبل ذلك ضميرهم المهني والأخلاقي والوطني. من الطبيعي أن يتسرب لهذه المهنة كأي مهنة أو وظيفة من لا يستحق أن يكون منتسبا لها نتيجة التساهل في قبول كل من يحمل شهادة البكالوريوس في الطب من جامعات يوجد فيها نظامان ومنهجان دراسيان؛ الأول لأبناء البلد نفسه وبمستوى صارم والثاني للوافدين وهذا معروف لدى وزارة التعليم العالي. مع التأكيد هنا أنه وبالرغم من وجود غير المؤهلين احيانا ولكننا ما نزال في مرحلة يمكن تلافيها إذا وضعت ضوابط تضمن أن يكون مستوى خريج الطب المعرفي بمستوى خريجي كليات الطب في الجامعات الأردنية المشهود بكفاءة خريجيها وهذا يعني ضرورة إعادة النظر في نظام الامتياز ومدته ونظام الإقامة والامتحان الذي يجريه المجلس الطبي وإعادة النظر في الجامعات المعترف بها وإلزام الطلاب بأخذ موافقة من وزارتي التعليم العالي والصحة أولاً وقبل الدراسة. بنفس الوقت علينا الاعتراف بأننا ما نزال في الصدارة اقليمياً من ناحية الكفاءات الطبية في مختلف التخصصات ولكن كل هؤلاء كانوا متميزين في دراستهم واغلبيتهم مبعوثون من وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية لأعرق الجامعات ومؤسسات الاستشفاء العالمية وإذا كان من فضل يعزى هنا فللمنح الدراسية والابتعاث التي قادتها في حقبة السبعينيات والثمانينيات وزارة التربية والتعليم التي كانت تبتعث لأعرق الجامعات المتميزة من خلال التعاون الثنائي الذي تراجع في العقود الأخيرة. مهم هنا الاعتراف بأن جزءا من الخلل في منظومتنا الصحية نتيجة عدم وجود ضوابط واضحة ومعايير صارمة لكل من يحصل على مؤهل طبيب ويحق له الممارسة؛ أخطر مؤهل علمي هو شهادة الطب التي أصبح الاقبال عليها ومن باب التفاخر الاجتماعي يتكاثر كالفطر لدى مجتمعنا؛ الكل يريد أن يصبح طبيبا ويحمل لقب دكتور وهذا مشروع ولا مشكلة فيه شريطة التأهيل الحقيقي. نحتاج مراجعة حقيقية لشهادة الطب تشترك فيها ثلاث جهات؛ وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة ونقابة الأطباء؛ نحن امام حجم بطالة متزايد في هذا القطاع والمتوقع ارتفاعه بشكل كبير خلال السنوات المقبلة حسب تقديرات وزارة الصحة والنقابة نفسها وديوان الخدمة ولولا أن جائحة كورونا اضطرت وزارة الصحة لتعيين مئات الأطباء لكانت البطالة في صفوفهم مضاعفة.اضافة اعلان