أبناء البنات والوصية الواجبة

obt3tqwv
obt3tqwv

د. أحمد ياسين القرالة

من القواعد المقررة في التشريع الإسلامي أنّ "مَن أدلى إلى الميت بواسطة لا يرث مع وجود تلك الواسطة" فالحفيد ليس وارثاً لجده في حياة أبيه أو بعد موته، ومن الشروط المعتبرة لاستحقاق الميراث أن يكون الوارث حياً عند وفاة المورث، فإذا مات الوارث في حياة المورث فلا يستحق شيئاً من الميراث حتى وإن كان له أولاد أو أحفاد.اضافة اعلان
وهذا يعني أن الأحفاد لا يرثون شيئاً إذا توفي أبوهم في حياة جدهم؛ ولعلاج هذه المسالة ذهب بعض الفقهاء إلى استحباب الوصية للأحفاد تعويضاً لهم عن حصة أبيهم، وذهب ابن حزم إلى وجوب هذه الوصية لكل قرابة غير وارث حيث يقول : " فرض على كل مسلم أنْ يوصي لقرابته الذين لا يرثون؛ لأنّ هناك من يحجبهم عن الميراث أو لأنّهم لا يرثون فيوصي لهم بما طابت به نفسه"؛ استنادا لقوله تعالى :" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ".
وقد استندت الكثير من التشريعات المعاصرة إلى اجتهاد ابن حزم وقالت بوجوب هذه الوصية، ولكنها خالفته في هذا المجال وجعلت الوجوب مستحَق بحكم القانون، فالقانون يعطي الأحفاد حصة أبيهم من الميراث باعتبارها وصية واجبة سواء أوصى الجدُّ بذلك أو لم يوصِ،
وهذا ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (279) والتي جاء فيها: إذا توفي أحد وله أولاد ابن، وقد مات ذلك الابن قبله أو معه: وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته الشرعية وصية من الميراث.
وهذا إجراء حسن وعمل عظيم عليه يشكر عليه المشرع الأردني، ولكن المشكلة أن القانون أثبت الوصية الواجبة لأبناء الذكور فقط فأعطاهم من ميراث جدِّهم وحرم أبناء البنات، وهذا ما لم نكن نتأمله ولا نرى ضرورةً للعمل به للأسباب الآتية:
إنه لا يوجد نص صريح صحيح يمنع شمول أبناء البنات بالوصية الواجبة، فالقضية لا تخرج عن كونها مسالةً اجتهاديةً، كان من المفروض التوسع فيها تحقيقاً للعدالة والمساواة بين الأولاد.
إن هذا القول هو الذي ينسجم من مقاصد الشريعة في المساواة بين الناس عامة وبين الأولاد خاصة إلا ما استثني بنص خاص.
إن القول بوجوب الوصية الواجبة قانوناً لم يقل به أيٌّ من الفقهاء السابقين وإنما كان اجتهاداً ذهبت إليه التشريعات المعاصرة، وهذا يعني أن القانون لم يستند إلى أيِّ رأي فقهي في هذا المجال، وبعبارة أصرح هو خالف جميع المذاهب الإسلامية بما فيها اجتهاد ابن حزم، وإذا كان الأمر كذلك فما هو الوجه الشرعي لاستثناء أبناء البنات.
إن المسوغات التي أدت إلى القول بإعطاء أبناء الأولاد حصة أبيهم من الميراث بالوصية الواجبة تنطبق على أبناء البنات كما تنطبق على أبناء الأولاد.
إن مثل هذا الاجتهاد الذي يحرم أبناء البنات من الوصية الواجبة يكرس النظرة التي تميز بين الذكور والإناث، ويعزز القول بأن الشريعة الإسلامية تمايز بين الرجل والمرأة وتنهك حقوق المرأة، مما يعطي السند والمبرر لمهاجمة الشريعة واعتبارها ذكورية في اجتهاداتها وأحكامها.
إن الكثير من التشريعات العربية ذهبت إلى المساواة بين الذكور والإناث في الوصية الواجبة، ومن ذلك القانون المصري والقانون الكويتي والعراقي وغيرها، وخصائص وطبائع تلك المجتمعات لا تختلف كثيرا عن طبيعة المجتمع الأردني.
لا نجد من سندٍ شرعي ولا معيار ٍعرفي أو اجتماعي ولا منطق من عدالة إنسانية للعمل بهذا الاستثناء، وكلنا أمل أن يراجع المشرع هذا الأمر وأن يتراجع عنه، وأن ينظر للأحفاد نظرة واحدة، وأن يساوي بينهم، وعلينا وأن نبتعد عن المنطق الجاهلي الذي عبر عنه الشاعر بقوله:
بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا بنوهن أبناءُ الرِّجال الأباعدِ.