أبناؤنا البشر!

لا يمكن تبرير ما فعلته طالبة الجامعة الهاشمية، التي نشفت دم أسر أردنية كثيرة من الهلع عليها. ولكن يمكننا أن نضع تصرفها في إطار السلوك المفهوم نوعا ما من قبل بناتنا وأولادنا، الذين ترعرعوا على أسس تربوية صارمة، وأخلاقيات مجتمع فاضل، لا مكان فيه للخطأ!اضافة اعلان
كثيرون ممن تابعوا قضية الطالبة “روزان” استسهلوا شعار الاعتراف هو سيد أطواق النجاة، ولا يمكن أن يلومهم أحد على ذلك، لو كان الموضوع مقصورا على الشعارات والأخلاق والمبادئ. إنما وبصراحة وبالنظر إلى الحياة الواقعية وإلى بناتنا وأولادنا الذين كنا في مثل أعمارهم يوما ما، ويكبرون اليوم ضمن معطيات وعوامل اجتماعية واقتصادية ومعرفية، مختلفة كليا عما مر على آبائهم، فإنه ليس من السقوط بمكان، وكما يحلو للبعض أن يطلق عليه، أن يكذب الأبناء على آبائهم حين يكون الخوف هو سيد الموقف.
وبعيدا عن قراءة وتبرير تصرف الصبية، فإن ردود فعل أهال يبدو أنهم يعيشون في كوكب آخر، جديرة بالمتابعة والتحليل، خصوصا حين يحلو لهم أن يصروا على تصوير أولادهم وكأنهم ملائكة يمشون على الأرض، لا مجال للوقوع في الغلط أن يكون ضمن مخططاتهم. وليس جديدا علينا بأن هؤلاء تحديدا ممن يستأنسون بالنظارات السوداء داخل الغرف المغلقة، هم أول الناس الذين يتأذون من شعاع الشمس العادي يخترق عيونهم، فتكون العاقبة وخيمة، رغم بساطة الموضوع، لو نظروا إليه من زاوية أخرى!
أولادنا مثلنا يا سادة؛ بشر من لحم ودم، يصيبون ويخطئون، بل يخطئون أكثر مما يصيبون، لأنهم في مراحل حرجة من أعمارهم لا يتورعون عن تجربة الممنوع، وإخفاء النتائج الكارثية لتجاربهم الفاشلة. هذا الأمر يتطلب وبعيدا عن التنظير، ثقة أعمق ما بين الأهل والأبناء، تبنى على جسور التفاهم والتفهم والحديث المشترك. وهذا أيضا يتطلب شجاعة كبيرة من الأهل، حتى يضيفوا إلى مخزون مفردات التربية، كلمة اسمها الفشل!
لا أشد على يد الصبية التي هربت أياما من منزل والديها، خوفا من انفضاح أمر رسوبها ومحاولاتها الحثيثة لإخفاء الخبر عن عائلتها حتى آخر اللحظات. إنما أحاول أن أستوعب الدرس القاسي الذي علمتنا إياه، بالنظر طبعا إلى ظروفها الأسرية والاجتماعية؛ لا أحد منزه عن الخطأ، ولا أحد فوق مستوى الإحراج والسقوط. فقط علينا أن نصدق بأن جزءا ليس بسيطا يقع على كاهلنا حين نصر على أن نرسم توقعات أعلى من مستوى الواقع، ونتشبث بتلابيبها وإن كانت لا تخصنا شخصيا. ثم إنه علينا أن نربي أنفسنا على المصارحة المشتركة بيننا وبين أولادنا، ليس لندفع عن سيرتنا “الناصعة” حكاية مشابهة، بل لأن الألم والخذلان والحرج والخوف، هي أثمان سندفعها مؤجلا حين نصدق بأن أبناءنا ليسوا أحلامنا التي تطير بين السحاب، بل أكبادنا، قلوبنا، عقولنا، جيناتنا التي تمشي على الأرض.