أبناؤنا "الفلسطينيون الجدد"

لا أعرف إذا كان الجيل الجديد من أبنائنا وأحفادنا الفلسطينيين سيذكرنا بالخير!
ها نحن في آخر الأمر لم نورثهم سوى ثورة فاشلة، والكثير الكثير من مقابر الشهداء، التي لم تدفعنا باتجاه الوطن متراً واحداً!اضافة اعلان
الخريطة الأحدث المعروضة عليهم الآن على الطاولة هي خريطة أرخبيل الجزر الفلسطينية التي حتى لا ماء بينها يجمعها!
لم تعد حدود 15 أيار 1948 واردةً في ذهن أحد، وصارت مثل أغنية عاطفية قديمة. كل جيل جديد يعود ليبدأ المهمة من حدود جديدة يظنّها ممكنة، فحتى حدود الرابع من حزيران لسنة 67 تم التنازل عنها ولم تعد موضوع تفاوض، ثم فجأة أصبحت حدود 13 أيلول من سنة "أوسلو93" هي أيضاً مستحيلة ولن تتحقق!
لم نترك للفلسطينيين الجدد ما يجعلهم يترحّمون علينا.
أورثناهم هذه المدن المهلهلة، والكومة العظيمة من أدب الرثاء واللطميات الذي أنتجناه على مدار أكثر من سبعين عاماً. والذي لم يدلّهم على الطريق بقدر ما كان عبئاً ثقيلاً أعاقهم عن الحركة برشاقة. فهم يشعرون أحياناً أننا السبب الرئيسي في سوء علاقتهم مع الحياة، وأننا كنا خلف الصورة المريبة التي رسمها لهم العالم، ووقفت عقبة أمام حصولهم على تأشيرات أغلب دول العالم. (مثلما كان ينظر لجيلنا أنه عبء على الضمير القومي، وعقبة أمام الأعياد الوطنية).
علينا أن نكفّ عن استدراجهم إلى مربّعنا، وعن هذا الربط القسري بين جيلهم وجيلنا، بين جيل الشباب الواقعي وجيل الآباء والأجداد الذي فشل في كل شيء، رغم محاولاته الدؤوبة.
هم لهم أدواتهم وثقافتهم وحلولهم المختلفة، ولهم فلسطينهم المختلفة أيضاً. فلسطينهم ليست شاعرية ورومانسية كفلسطيننا، ولا تُذوَّب في الأغنيات أو تُعلّق على الحائط في برواز.
نحن فعلنا ما علينا، وأرشدناهم الى جنتنا المفقودة، لكننا أيضاً أعطيناهم ألف خريطة طريق خاطئة أوصلتهم دائماً إلى طرقٍ مسدودة. وعلينا الآن أن نقتنع كأجيال فقدت صلاحية التنظير بأن دورنا الفعلي قد انتهى، وعلينا أن لا نزاحمهم على سرقة الدور وسرقة الأضواء.
هم الآن يمتلكون أدواتهم ورؤاهم، واقتراحاتهم، لإصلاح ما خرب في عقودنا، ولاستعادة ما فقدناه، وليس علينا سوى أن نزيح من طريقهم هذا الكمّ الهائل من النظريات الفاسدة التي راكمناها في بيوتنا وفي رؤوسنا وفي كتبنا وأن نقف منتظرين ما سيفعلون.
وإن كنّا سنصلح لمهمة ما فقد يلفتون هم نظرنا اليها. بخلاف ذلك آن للأجيال أن تتبادل الأدوار، وليس لنا أبداً في هذا المقام أن نعود للتنظير فهم بالمناسبة لن يضيعوا وقتهم الثمين في قراءة ما أقول أنا أو غيري من الجيل المهزوم!
سنكتفي نحن بألبومات الصور، و"قواشين" البيوت التي نقلناها من جوارير النمليات، إلى عصر "السكانر"، وبالمفاتيح القديمة، وبأكياس صغيرة من التراب الثمين تصلنا عبر الجسر.
سنكتفي بـ"مديح الظلّ العالي" لمن مات منّا.