أبو صوفة أضاءت سماء ذوي الإعاقة بإنجازات وضعتها على قمة الإبداع

هديل أبو صوفة-(من المصدر)
هديل أبو صوفة-(من المصدر)

منى أبو حمور

عمان- استطاعت هديل أبو صوفة رغم أنها ما تزال طالبة في علم تكنولوجيا الغذاء في الجامعة الأردنية إحداث تغيير حقيقي، لم يكن فكرة فحسب، بل أصبح إنجازا عظيما يشار إليه بالبنان.
معاناة أبوصوفة التي رافقتها منذ كانت في مراحل الدراسة الأولى بسبب إعاقتها الحركية، جعلتها تعتقد أن دخولها للجامعة، سيجعلها تتحلص من حاجتها ﻷشخاص يحملونها لتتمكن من التنقل بين الطوابق، إلا أن الواقع كان مغايرا، فاستمرت معاناتها طيلة عامين في الجامعة.
إصرار أبوصوفة على التخلص من هذه المعاناة، هو ما جعلها تفكر في حل جذري لذلك، وبدأ تفكيرها بشكل جدي عندما التحقت بدورة عن حقوق ذوي الإعاقة مع الدكتور مهند العزة؛ حيث كرست هذه الدورة في وجدانها فكرة الدفاع عن حقوقها وحقوق غيرها.
وقررت أبوصوفة وبعد فترة، القيام بحملة تحت عنوان "صار وقتها" والتي تعنى بشؤون ذوي الإعاقة، كان شعارها "حق التعليم وتوفير تهيئة بيئية وتركيب جسور ومنحدرات وتجميل إشارة".
وكانت أبو صوفة تواجه الكثير من الصعوبات هي وزملاؤها الـ12 في الفريق، الذين كانوا يعانون من إعاقات مختلفة، فبدأت تسمع معاناتهم في المدرسة والجامعة، لينتهوا بمجموعة من المطالب التي قاموا بتقديمها الى رئيس الجامعة الأردنية الذي وافق على الحملة ومنحها دعما كبيرا.
بعد إطلاق الحملة رسميا، قامت أبوصوفة ومن خلال مقارنة الجامعة بجامعات أخرى، بكتابة مجموعة من الخطط على خلفية قانونية.
وتعزو أبوصوفة نجاح هذه الحملة إلى قصص الناس من ذوي الإعاقة وغيرهم، فأصبح مبدأها هو التغيير، وبعد فترة من الوقت أصبحت عضوا في لجنة المتابعة وبعدها جعلها رئيس الجامعة رئيسة للجنة وناطقة رسمية باسم الحملة رغم أنها ما تزال طالبة.
معظم مطالب "صار وقتها" تحققت، كما أن أبو صوفة استطاعت من خلال هذه الحملة حل مشكلة طلاب ذوي إعاقة، كانوا يقضون نهارهم بدون طعام أو شراب لعدم وجود دورات مياه مؤهلة، إلى أن أصبحت هناك 20 دورة مياه في الجامعة، إضافة إلى مختبر حواسيب ناطقة وبرامج ناطقة للحواسيب، ومكتبة تسجيل صوتي، وأربعة خبراء في لغة الإشارة ومنحدرات في أنحاء الجامعة كافة.
بعد وصول أبو صوفة إلى هذا النجاح، تأكدت أنه لن يأتي أشخاص آخرون غيرها يعانون ما عانته هي وزملاؤها.
بعد ذلك أصبحت أبوصوفة مدربة لذوي الإعاقة وتعرفم بالقانون، مبينة أن مسؤوليتها تعريف هؤلاء أن لهم حقوقا، ولا بد من أن يدافعوا عنها وأخذها في كل مكان وزمان.
من ثم قامت أبوصوفة بإطلاق مبادرة "كمستير" التي تشجع من خلالها ذوي الإعاقة على العمل في المجال التطوعي من مبدأ أن التطوع ينهض بالمجتمع ويرتقي به، لافتة إلى أن أي تغيير نبحث عنه لا بد أن نتطوع حتى نستطيع رؤيته على أرض الواقع.
كما أسهمت أبو صوفة بإعطاء دورات في مبادرات مختلفة، رغبة منها في إفهام الجميع أن ذوي الإعاقة لا يختلفون في الحقوق والواجبات والقدرات عن أقرانهم غير ذوي الإعاقة، وأن الاختلاف في وسائل التنقل فقط.
كما طالبت أبوصوفة بتهيئة فعاليات المبادرة لأبناء هذه الفئة، حتى يتمكنوا من حضورها والمشاركة فيها، فأصبحت هناك وسائل مواصلات مؤمنة، ومترجم لغة إشارة ومنحدرات ومرافق للكفيف.
في كل مرة تشارك أبوصوفة وزملاؤها في العمل التطوعي والمبادرات، تثبت أن ذوي الإعاقة هم أيضا قادرون على التطوع وخدمة الآخرين.
بعد هذه الإنجازات التي استطاعت أبوصوفة تحقيقها، شاركت في مبادرة "لوياك" لتأهيل الطلاب لدخول سوق العمل من خلال إعطاء دورات؛ حيث كانت مساعد مدرب، ومن ثم شاركت في برنامج تأهيل المدارس، كما وعملت من خلال الدورات الموجهة للطلبة على تغيير مفهوم ذوي الإعاقة وكيفية الخروج من الصورة النمطية؛ حيث مارس المشاركون في الدورات الألعاب التقليدية مع الطلبة لكسر الحواجز، كما أثبتوا للأطفال أنهم لا يختلفون.
وتؤمن أبوصوفة بأن الأطفال يجب أن يعرفوا من هم ذوو الإعاقة، وكيف يتعاملون معهم.
لم يكن هذا المشوار المليء بالإنجازات باﻷمر الهين، فكانت ثمرة تعب هذه الإنجازات هي حصول أبوصوفة على لقب أفضل متطوعة في الأردن من قبل usaid وفي دبي mbc، اللتين اختارتاها من بين مجموعة من المتطوعين؛ حيث جاء هذا الاختيار لعظمة الإنجازات التي حققتها أبوصوفة.
"المبلغ المالي الذي فزت به سيمكني من متابعة "صار وقتها""، تقول أبوصوفة، منوهة إلى أنها أصبحت تفكر جديا في نقل هذه الحملة إلى الجامعات الأخرى بعد التغيير الكبير الذي حققته في الجامعة الأردنية.
وتؤكد أبوصوفة قائلة "أؤمن بالتنوع والاختلاف بالبشرية، ولكن مشكلتنا في المجتمع، أنه لا يتقبل الاختلاف؛ فالشخص إذا كان عنده أي نوع من الإعاقة لا يتقبله الآخرون".
بعد ذلك اشتركت أبوصوفة بمبادرة "مسار" التي كانت تعنى بحق ذوي الإعاقة بالترفيه والسياحة، فكانت أولى العقبات هي المواصلات إلى أن وجدوا باصا مؤهلا فكانت أول رحلة لهم لجبل نيبو، منوهة إلى أنهم سيخططون لرحلة جديدة، لأن هذه الرحلات تكسر الحواجز بين ذوي الإعاقة وغيرهم.
إصرار أبوصوفة وعزيمتها جعلها تكمل ما قامت به منذ البداية ولم تستسلم أبدا، مؤكدة "ما ضاع حق، ولا بد أن تكون الأصوات عالية حتى يسمع أصحاب القرار المطالب ويحققوها".
الدعم الكبير الذي تلقته أبوصوفة من قبل عائلتها وأصدقائها الذين كانوا إلى جانبها في كل نشاط تقوم به، منحها العزيمة والمثابرة والثقة بالنفس ومتابعة ما بدأت به، إلى جانب وجود العديد من الأشخاص الذين أثروا بها ودعموها.
وتردف "رغم وجود العديد من الأشخاص السلبيين، الذين كانوا يحاولون إحباطي ويبينون لي أن ما أقوم به مستحيل، إلا أنني لم أستسلم".
الجزاء دائما يكون من جنس العمل، فأصبحت أبوصوفة عضوا في لجنة التسهيلات البيئية في المجلس الأعلى لذوي الإعاقة، إلى جانب وزارة البيئة، الاشغال العامة، النقل ونقابة المهندسين، لعمل منطقة نموذجية في جبل الحسين مؤهلة لذوي الإعاقة، وهي الطالبة الوحيدة في اللجنة.
وتختصر أبوصوفة عظمة إنجازاتها في رؤيتها بأن التطوع أسلوب حياة يجب على الجميع القيام به، وهو شيء يعيش في داخل كل إنسان، موضحة أن القيام به يصبح عادة ومن ثم إدمانا فلا يمكن التراجع أو الابتعاد عنه.
قصة نجاح أبوصوفة لم تعد مجرد سطور في مقالات، وإنما أصبحت مواد تنشرها الأمم المتحدة لتكون ملهمة ومرشدة لغيرها وقدوة للكثير من الناس.

اضافة اعلان

[email protected]