أبو عاقلة: دمعة جديدة من عين الكاميرا وجريمة أخرى للجبناء

022
022

محمد الكيالي

عمان - "في لحظات صعبة تغلبت على الخوف، فقد اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم"، بهذه الكلمات المعدودة، اختصرت الزميلة الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة شغفها بمهنة المتاعب التي فضلتها على الهندسة، وهي تتحدث عن تجربتها الصحفية على قناة "الجزيرة".

اضافة اعلان


واستفاق العالم صباح أمس، على خبر استشهاد أبو عاقلة، التي عملت مراسلة صحفية في قناة الجزيرة القطرية، على أبواب مدينة جنين، بعد أن لبت النداء وتوجهت برفقة زملاء لها لتغطية أحداث اقتحام قوة إسرائيلية للمدينة.


وعلى مشارف جنين كانت في استقبالها رصاصة غاشمة من قناص صهيوني، اخترقت رأس الشهيدة، في رسالة واضحة من جيش الاحتلال للصحفيين، بأن من ينقل الكلمة والصورة والحقيقة، نهايته القتل والدم.


غادرت شيرين أبو عاقلة الحياة، بعد أن رسمت لنفسها حضورا لافتا على مدار نحو 3 عقود من الخبرة العملية الميدانية مع مؤسسات إعلامية مرموقة، وبرزت على الشاشة كصوت ينقل للمشاهد العربي الحقيقة التي دأبت الآلة الإعلامية الصهيونية على محاولات إخفائها وتزويرها.


"لن أنسى أبدا حجم الدمار، ولا الشعور بأن الموت كان أحياناً على مسافة قريبة، لم نكن نرى بيوتنا، كنا نحمل الكاميرات ونتنقل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة، كنا نبيت في مستشفيات، أو عند أناس لم نعرفهم، ورغم الخطر كنا نصرّ على مواصلة العمل"، هذا ما تحدثت به الشهيدة عن الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة العام 2002.


الشهيدة شيرين أبو عاقلة، انضمت إلى كوكبة من زملاء فلسطينيين، وضعت الآلة العسكرية لدولة الاحتلال حدا لحياتهم على أرض فلسطين، حيث أكدت أرقام نقابة الصحفيين الفلسطينيين، أن الكيان المحتل، قتل 55 صحفياً وإعلامياً منذ العام 2000 إلى يومنا هذا.


ويعد استهداف الصحفيين في فلسطين، ممنهجا ومنظما من قبل الكيان المحتل، بهدف التغطية على ما يرتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين المرابطين على أرضهم.


شيرين التي عرفها المشاهدون العرب على شاشة "الجزيرة"، منذ سنوات طويلة، والتي تحمل الجنسية الأميركية، ولدت في القدس في شهر كانون الثاني (يناير) العام 1971، وتخرجت من مدرسة راهبات الوردية في قرية بيت حنينا في القدس.


وفي الجامعة، درست الشهيدة شيرين، تخصص الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، لكنها ما لبثت أن اكتشفت شغفها بالصحافة، فانتقلت إلى قسم الصحافة لتدرسها وتحصل على شهادة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك.


وبعد تخرجها عادت الشهيدة إلى فلسطين، وعملت في عدة هيئات إعلامية من بينها إذاعة صوت فلسطين، وقناة عمّان الفضائية، ومؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، ثم انتقلت في العام 1997، للعمل في قناة الجزيرة الفضائية بعد عام من انطلاقتها.


قامت الشهيدة شيرين أبو عاقلة، بتغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت العام 2000، والاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين وطولكرم في العام 2002، إضافة إلى سلسلة الاعتداءات الصهيونية التي تعرض لها قطاع غزة، كما تعد أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان في العام 2005، حيث قامت بلقاء أسرى فلسطينيين أصدرت محاكم إسرائيلية بحقهم أحكام سجن طويلة.


وفي رسالة إلكترونية قصيرة أرسلتها لقناتها وهي متجهة إلى مدينة جنين في الضفة الغربية، صباح أمس، كتبت الشهيدة شيرين: "في الطريق إلى هناك، أوافيكم بخبر فور اتضاح الصورة"، إلا أنها لم تدر بأنها ستكون هي "الخبر".


وفي لحظات قليلة ترجلت شيرين وغادرت عالمنا، وهي التي وقفت في وجه جيش الاحتلال وعملت برفقة زملائها من مختلف المؤسسات الإعلامية، لفضح جرائم العدو في فلسطين والقدس، إلا أن نبأ استشهادها، وقع على ملايين المشاهدين والصحفيين الفلسطينيين والعرب كان صادما للغاية.


الشهيدة شيرين، الصحفية ذات الـ51 عاما، كانت قريبة من الفلسطيني المرابط على أرضه، وعلى التصاق تام مع آلام المقدسيين الذين يتشبثون بأحجار بيوتهم منعا لهدمها، قريبة من أحلام أجيال تريد زيارة القدس والصلاة في مساجدها وكنائسها.


وكتبت الشهيدة، في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، منشورا لها على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قالت فيه: "هل أنت فلسطيني من أبناء الضفة الغربية؟ صلِّ أن يمد الله في عمرك كي تتمكن من رؤية القدس، فسلطات الاحتلال تسمح فقط للرجال الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما بعبور الحواجز العسكرية، أما إن كنت من قطاع غزة، فصلِّ أن يُرفع الحصار عنه يوما، هناك جيل من الفلسطينيين لم يدخل القدس ولم يرها في حياته".


غابت شيرين عن الشاشة الفضية، وهي التي حملت همّ وطنها وشعبها وقضيتها، وتحدثت عن فلسطين في مختلف المحافل، ودافعت ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، إلا أنها ستبقى حاضرة في عيون ملايين المشاهدين، وسيبقى مشهد ارتقائها محفورا في أذهانهم، وستبقى مسيرة الصحفيين والإعلاميين في فلسطين مرتكزة على نقل الحقيقة لا غيرها.

إقرأ المزيد :