أبو عرجا.. مسيرة فنية توثق القضية الفلسطينية والتراث

جانب من لوحات الفنان طارق أبو عرجا - (من المصدر)
جانب من لوحات الفنان طارق أبو عرجا - (من المصدر)

منى أبو صبح

عمان- عبر اثنين وأربعين عاما، استطاع الفنان الفلسطيني طارق أبو عرجا توثيق القضية الفلسطينية من خلال الأحداث التي مرت بها، درس في جامعة (البنجاب- لاهور- باكستان- قسم الديكور)، وتخرج فيها العام 1973، شارك في معارض فنية في الكويت وبغداد وعمان.
اختزلت لوحة (عودة الروح) للفنان أبو عرجا المولود في شويكة- طولكرم العام 1947، تاريخ القضية الفلسطينية ومعاناة شعبه؛ حيث بدأ رسم خطوطها الأولى العام 1970، وواصل تكوين رموزها العام 1975، حتى اكتملت تفاصيلها العام 1986، فهي تمثل شهداء على مدار الساعة، ويظهر ذلك من خلال الشاهد الموجود على القبر.
يروي أبو عرجا بداية رحلته في الفن لـ"الغد"، قائلا "غادرت فلسطين لدراسة تخصص الفيزياء، ولم أتقن اللغة حينها، مما جعلني أشعر بالتشتت وعدم الرضا جراءها، إلى أن تعرفت على طالب عربي تفهم ما يدور في رأسي، وفاجأني بتقديم أوراقي لكلية الفنون في الجامعة، وخضعت لامتحان القبول الذي نجحت في أدائه".
ويضيف "اهتمام زميلي ومن حولي ولد لدي حب الفن والرسم، وأثرت اهتمام الأساتذة بطريقة الرسم المختلفة (النسبة والتناسب)، فللوهلة الأولى يشعرون بأنها مخالفة للقياسات الصحيحة، ولكن عند المقارنة يجدونها صائبة ومتقنة، ولا تتطلب كثيرا من الوقت كما يفعل الطلبة الآخرون".
يستخدم أبو عرجا ألوان (الجواش) المائية في رسم لوحاته إلى جانب أقلام الرصاص، ولا يفضل استخدام غيرهما، ويعود السبب في ذلك إلى دراسته الجرافيك في الباكستان باستخدام هذه الألوان، وفق قوله، إلى جانب استخدامه خامات من البيئة مثل (النشارة، الخشب، الأغطية، عجم الزيتون وغيرها).
فلسطين حاضرة في أعمال أبو عرجا كافة، وذلك من خلال الموضوع والإيحاء للتحولات السياسية في القضية الفلسطينية، وأيضا من خلال رموز وأشكال من البيئة والتراث الفلسطيني، فمثلها بطريقة حديثة مثل (الطابون، الجاروشة، الأثواب والمطرزات، الألعاب الشعبية، الحرف اليدوية وغيرها العديد)، وأيضا من خلال الموضوع والإيحاء للتحولات السياسية في القضية الفلسطينية.
سعى الفنان أبو عرجا إلى ترسيخ مبدأ الرسم الصحيح لدى الطلبة الذين تلقوا التعليم على يده في الكويت، وذلك من خلال التأكيد أن الفن عبارة عن خط ولون لهما معان عدة، فالخط المستقيم له دلالات تختلف عن المائل والعموي والأفقي.
يؤكد أبو عرجا أن لكل فنان أسلوب في التعبير عما يجول بخاطره، وهناك فنانون لهم شخصية فريدة لا تشبه أحدا في الرسم، فعند النظر إلى اللوحة تعلم مباشرة من هو صاحبها.
ويتابع "تبرز شخصية الفنان بتوظيب عناصر اللوحة المتعددة (الخط.. اللون.. الظل والنور.. الملمس.. التكوين.. المنظور.. التناغم.."، فينقل الفنان إلى الظل والنور من خلال الاختلاف في درجات الإضاءة (غامق، فاتح، معتم)، ولكل لون معنى ودلالة فأحيانا نرى الفنان يستخدم الألوان الأساسية كما هي، وهناك الألوان الحارة والباردة، المحايدة، ولا ننسى التوافق والتضاد اللوني في اللوحة.
يرى الفنان أبو عرجا أن العمل الفني التقاط للحظة ما، يحاول ويجتهد الفنان تكثيف معاني هذه اللحظة التي تحتوي على مشاعر متداخلة، لا يمكن في الحالة الفلسطينية فصلها عن بعضها البعض، فيها الحزن.. الفرح.. الصمود.. الكبرياء.
ويضيف، "يتميز الفن الفلسطيني بابتعاده تاريخيا عن الفن التزييني بقدر الإمكان، فلكل فنان أسلوب وطريقة خاصة تعود لثقافة الفنان وتحليله ورؤيته للأحداث السياسية".
يقول أبو عرجا "أعبر في رسوماتي عن الحدث نفسه، فأنظر إليه وبعد تحليله، أقوم برسمه، فمثلاً، هناك لوحة بعنوان (المبدعون) رسمتها أثناء الأحداث، قد يستغرق رسم اللوحة ساعة واحدة فقط أحياناً، لكن المشكلة تكمن في أساس تكوين موضوع الرسم الذي قد يأخذ شهراً؛ حيث أهتم وأستفيد من الطبيعة في تعبيري السياسي".
وبشأن المعارض الفنية التي تقام، يأسف أبو عرجا بقوله "إن العديد من الزوار والمهتمين بالفن يأتون حفل الافتتاح فقط، كما أن هناك العديد من الفنانين الذين لا يضعون هدفا للوحة".
وبالعودة للوحات الفنان والتمعن بها أكثر نراها تعبيرا صادقا تعكس ثقافة الفنان، وتنقل هموم الشعب الفلسطيني بأدوات وأشكال ورموز نفهمها ونتفاعل معها منها؛ (الجدار العازل، أطفال أبطال، سبب البلا، جذورنا، قطاف الزيتون، الأيدي البيضاء، أم خليل)، وأيضا لوحات تطرح القضايا السياسية السائدة في الوطن العربي منها (وسام الإرهاب، تحيا مصر، البترول العربي).
يرفض الفنان أبو عرجا مبدأ بيع اللوحات لتصبح حكراً على أفراد، يقومون بشرائها لتزيين بيوتهم، وما يزال حتى اليوم يرفض مبدأ البيع.

اضافة اعلان

[email protected]