أتقن الدور اليوم يا سيدي

1) نَشَرَ محمود درويش، العام 1969، قصيدته "ويُسدَل الستار" في مجموعته الشعرية "العصافير تموت في الجليل". وقبيل وفاة درويش، لحّن الفنان الإنسان، أحمد قعبور، القصيدة، وغناها العام 2008. في القصيدة، يتخيل درويش ممثلا مسرحيّا، يخبرنا عن الحياة في ظل الاحتلال؛ حيث يُراد تغليفها بأكاذيب الديمقراطية الإسرائيلية. ويقول: "أجد الليلة نفسي عاريا كالمذبحة"، فـ"مكياج" الاحتلال، وما يلقنه المخرج للممثلين كذبا، لا يُلغي المذبحة. ويقول درويش: "ما يافا سوى جلد طبول، وعظامي كالعصا في قبضة المخرج". وينتهي للقول: "ولهذا استقيل". ولكنه يقول أيضاً: "أتقن الدور غدا يا سيدي".اضافة اعلان
2) هذا الأسبوع، تلفع شبان وشابات بكوفيات حمراء، ووضعوا صور الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم على طاولات في جامعة فلسطينية، وجاء صوته من مكبرات الصوت.
3) في كتابه "وشم المدن"، يكتب الصديق خالد الحروب عن صديقه الذي كان جنود الاحتلال يُشبِعونه ضربا أثناء التحقيق، وهو يردد داخله بأعلى صوت كلمات أحمد فؤاد نجم، معيناً لصموده. ويخبرنا خالد أنّه أخبر نجم يوماً بالقصة، ففوجئ الشاب "عبد" بنجم يتصل به هاتفيا، ويسأله "إزيك يا واد".
4) في العام 1969، غادر حنا ميخائيل (أبو عمر) الولايات المتحدة، بعد إنهاء الدكتوراه من جامعة هارفارد. كتبتُ عنه قبل عامين: "وبعد أن درّس في جامعة واشنطن، حمل بندقيته وارتدى ملابس مستعملة، وعمل باحثا في مركز الأبحاث الفلسطيني، ومركز التخطيط. وتولى مهام منها عضوية "الجهاز الغربي" الذي يقود المقاومة داخل فلسطين. ورفض مهام تبعده عن الميدان، منها أن يكون أول مندوب لفلسطين في الأمم المتحدة العام 1974. وإلى جانب ذلك، شغلته قضايا المرأة، والثقافة، واهتم بالمسرح، فاحتضن فرقة مسرحية في القدس اسمها "بلالين"، وفّر لها فرص التدريب والدّعم. ولم تكن نهايته في مكتب، بل اختفت آثاره في مهمة نضالية بقارب في البحر، العام 1976".
5) في العام 2010، كان الفنان الكوميدي الشاب وسيم خير، من حيفا، يزور أحمد فؤاد نجم في بيته فوق جبل المقطّم، ويجلسان على الشرفة يُطّلان على "القاهرة". يخبرني وسيم: "كنا نحكي سياسة. وقال لي كلمة غيرت مجرى حياتي". قال له نجم: هل تظن أن نظام مبارك يخاف مني؟ أبداً. هو يخاف السبعين مليون، "أنا مش واحد أنا السبعين مليون". بدأ وسيم يفكر في الثلاثمائة الذين قد يحضرون عروضه، وماذا يريد أن يقول لهم. وبدأ فنه يصبح مقاومة.
6) فرانسوا أبو سالم، أحد رواد وسدنة المسرح الفلسطيني. ومن بين أعماله، مونودراما "ذاكرة للنسيان"؛ يصف فيها هواجس محمود درويش أثناء قصف بيروت، وتوقه لفنجان قهوة. وفرانسوا، من مؤسسي فرقة "بلالين" ذاتها التي رعاها "أبو عمر"، في زمن أبو جهاد؛ الفتى الذي خرج من الرملة وأشعل ثورة.
7) في العام 2011، انتحر أبو سالم في الطيرة، في رام الله، بإلقاء نفسه من أعلى بناية.
8) يرى وسيم خير أنّ فرانسوا أستاذه ومَثَلَهُ في العمل المسرحي.
9) هذا الأسبوع، يكون وسيم من المعتقلين في حيفا، لأنّه انتفض متضامنا مع بدو النقب. وفي "قفص المحكمة"، تتحقق مقولة أنّ الثائر يحاكِم سجّانه. ضحك المحامون أثناء انتظار القاضي، ومازحوا وسيم، ألا يكفي ترافعنا عنك مجاناً؟ قدّم لنا عرضاً. بدأ يُقدّم مونولوجاً. حاولت الشرطة منعه. ولكن القانون "عندهم" يسمح للمعتقل بالحديث مع محاميه، فصار يتحدث كما لو كان يخاطب المحامي. ران الصمت على القاعة، والكل يستمع. والمونولوج عن "العملاء". سألته: من تقصد؟ قال العرب بين أفراد الشرطة التي تعتقلني. تخيّل حوارا ساخرا معهم. صفّق الجميع.
10) وسيم الآن في حبس منزلي، لحين انتهاء المحاكمة. يتدفق وسيم في الحديث ماءً رائقاً. ويخبرني أنّ حاجز الخوف عند الشباب في "الداخل" انكسر. ويخبرني "في إشي كبير، تفاجأت من شبابنا، في إشي داخلنا ماكن وقوي". في حبسه المنزلي، تصل روح حنا ميخائيل أخيراً من البحر، وتطير روح فرانسوا من الطيرة إلى أعلى البناية ثانية وتطل على حيفا. وحضر محمود درويش، وأمام فنجان قهوة، قال لوسيم: "أتقنتَ الدور اليوم يا سيدي".

[email protected]