"أتيكيت" كورونا: التحية في عصر التباعد الاجتماعي

أدريان فولدريدج – (مجلة 1843) 18/3/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يقيّم أدريان فولدريدج مجموعة قواعد السلوك الاجتماعية الجديدة المقاومة للفيروسات. ويقول إنه يجب علينا البحث عن الإلهام من البلدان الأخرى حول طرق التحية في عصر "كورونا". وتتضمن تحية "ناماستي" على الطريقة الهندية ضغط راحتي يديك معًا والانحناء قليلاً. وثمة إيماءة رأس لطيفة، وإيماءة يد خفية، وابتسامة ودودة -ما الذي يمكن أن يكون طريقة أكثر أناقة لتحية حامل محتمل للوباء؟ لقد أثبت كل من الأمير تشارلز وإيمانويل ماكرون أنهما سفيران قويان لتحية "ناماستي".

  • * *اضافة اعلان
    كانت الحقيقة الكبرى لتغيُّر الأعراف وطريقة السلوك في العقود القليلة الماضية هي موت المسافة: ليس المسافة الجغرافية فقط التي قصُرت بفضل الإنترنت، وإنما المسافة الاجتماعية أيضاً. وقد ذهبت الحجرات المقسمة في أماكن العمل لتحل محلها المكاتب المفتوحة، وبدأت المطاعم تطلب من عملائها مشاركة طاولة مع جيرانهم. وتحولت المصافحات إلى عناق حار. وأصبح تقبيل الخد على الطريقة الفرنسية ممارسة عالَمية. وحتى وكلاء الكنيسة الأنجليكانية -الذين تفاخروا ذات مرة بتطرفهم في ضبط العواطف والتجهم- أصبحوا يشجعون أفراد رعياتهم (المسنين عادة) على احتضان بعضهم البعض.
    الآن، بفضل "كوفيد-19"، يمكننا أن نقول وداعًا لكل ذلك: الآن تجري إعادة كتابة الأعراف الاجتماعية التي تشكلت على مدى جيل بين عشية وضحاها. إذا كان علينا أن نذهب إلى الاجتماعات، فإننا نُنصح بعدم لمس بعضنا البعض؛ وإذا ذهبنا إلى المطاعم أو المقاهي، يُطلب منا الجلوس أو الوقوف على بعد ستة إلى عشرة أقدام من الغرباء. ونبدأ الاجتماعات وننهيها بغسل أيدينا، وكأننا نطهر أنفسنا من محاورينا.
    يولّد هذا التغيير المفاجئ في آداب السلوك طلبًا على النصيحة بشأن "الأتيكيت" الاجتماعي في ما يذهب أبعد كثيراً من مجرد التحية والوداع: أصبحنا نحتاج إلى قواعد سلوك جديدة لعصر أقنعة الوجه والتباعد الاجتماعي. ما هي أفضل طريقة لمطالبة الأشخاص في طابور في "السوبرماركت" بأن يقف أبعد قليلاً؟ وإذا كان عليك أن تستقل سيارة أجرة، فهل من المعقول أن تقوم بتنظيف مقبض باب السيارة أو المقعد بقطعة قماش أو منديل معقم؟ ومع انتقال التفاعل الاجتماعي إلى فضاء الإنترنت، نواجه أسئلة حول الأخلاق الافتراضية أيضًا. إذا لم تتمكن من لفت انتباه شخص ما يحلِّق على هواه في اجتماع بواسطة الإنترنت، كيف يمكنك أن تقاطعه؟ كيف يمكنك التحكم في نقل صخب المجموعة وفوضاها الإلكترونية من موضوع إلى آخر؟
    ليس وضع نهاية لكل هذا العناق والتقبيل بالأمر السيئ بالقدر الذي يتعلق بالبعض منا. لكن المصافحة المعتدلة كانت موجودة منذ قرون -لسبب وجيه. في الأوقات الأكثر بربرية كان الناس يمدون يديهم عند التحية ليثبتوا للآخر أنهم لا يحملون سلاحاً يمكن أن يستخدموه إذا لم تسر الدردشة بشكل جيد. واليوم، تخدم المصافحة أغراضاً أكثر دهاء: بالإضافة إلى ملء اللحظات المحرجة عندما تقابل شخصًا غريبًا لأول مرة، فإن ارتخاء المصافحة أو حزمها يوفران طريقة إضافية للحكم عليه.
    كمخلوقات لها طقوس اجتماعية، أصبحنا نرتجل بسرعة تحيات جديدة ضد الفيروسات (حتى التقبيل في الهواء أصبح يعتبر الآن حميميًا جدًا). ظهر "ضغط السواعد" كتحية جديدة في أسبوع الموضة في باريس. وطور مواطنو ووهان، المدينة الواقعة في وسط الصين حيث بدأ الوباء، شيئًا يسمى "مصافحة ووهان" –هز للقدم يتضمن النقر بحذائك على حذاء الشخص الآخر. ولكن، على عكس الفيروس نفسه، لا يبدو أن هذه التحية سافرت أبعد من الصين (لدى الصينيين أيضًا موضة جديدة هي رسم مربعات على أرضية المصعد لتحديد مكان الوقوف مع الحفاظ على مسافة من زملائك الركاب). وثمة حل آخر هو التلامس بالأكواع، والذي انتشر أول مرة في مستوطنة كالاوبوب للجذام في هاواي في أواخر الستينيات، وتمتع بدورات انبعاث دورية خلال فترات الأوبئة اللاحقة، ولا سيما وباء إيبولا في العام 2014، وهو ما أدى إلى تلقيب هذه التحية بـ"كوع الإيبولا". وعلى الرغم من أن بالوسع رؤية حتى برلمانيين بريطانيين عتيقي الطراز يتلامسون الآن بأكواعهم، فإنني أشك في أن "كوع الإيبولا" سيدوم: إنه يتطلب إحداث التواءات غريبة في اليدين ولا يوفر أيًا من المعلومات اللمسية التي توفرها المصافحات.
    كان نزع قبعة تحية جيدة في عصر ارتداها فيه عدد كبير منا. وعلى الرغم من أن الصحف مليئة حاليًا بالاستعارات حول محاربة الفيروس، فإن تحية الناس تبدو بعيدة عن أوقاتنا المتحضرة. ثمة الكثير من الحديث عن العودة إلى الماضي أيضاً، لكن إعادة إحياء التحية الأنثوية القديمة بثني الركبتين وتقديم إحدى القدمين، أو الانحناء، تبدو غير مناسبة. بدلاً من النظر إلى التاريخ، يجب علينا البحث عن الإلهام من البلدان الأخرى. تتضمن تحية "ناماستي" على الطريقة الهندية ضغط راحتي يديك معًا والانحناء قليلاً. وثمة إيماءة رأس لطيفة، وإيماءة يد خفية، وابتسامة ودودة -ما الذي يمكن أن يكون طريقة أكثر أناقة لتحية حامل محتمل للوباء؟ لقد أثبت كل من الأمير تشارلز وإيمانويل ماكرون أنهما سفيران قويان لتحية "ناماستي".
    السؤال الآن هو ما إذا كانت القواعد السلوكية الجديدة ستستمر بعد الأزمة الحالية: عندما يتم ترويض الـ"كوفيديد-19" أخيرًا، سواء كان ذلك بمناعة القطيع أو بمعجزة علمية، هل سنستأنف المعانقة والتقبيل؟ إنني أراهن على مستقبل التباعد الاجتماعي ونهاية الاختلاط. فقد ضاق مرتادو المطاعم ذرعاً مسبقاً بالجلوس إلى طاولة واحدة على قرب كبير من الآخرين، وكانوا ينضمون إلى النوادي باهظة الثمن التي توفر مسافة أكبر بين الطاولات، أو تعتمد تقنيات ذكية مثلما فعل لاري ديفيد، الذي ارتدى، في أحدث مسلسل له "اكبح حماسك"، قبعة عليها شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" لردع الرواد عن الجلوس في أي مكان بالقرب منه (في الوقت الحالي سيؤدي السعال البسيط نفس المهمة). وقد سئم العديد من الموظفين من المكاتب المفتوحة -تلك الشهادات على بخل الشركات المتنكر في هيئة استخدام مناهج العمل المتيقظ- لدرجة أنهم لجؤوا إلى استخدام تقنيات يائسة مثل ارتداء سماعات أذنين عملاقة على رؤوسهم في جميع الأوقات، أو استعمار المقاعد في أروقة المكاتب.
    نحن نعلم أن الطقوس الاجتماعية تتغير بمرور الوقت بطريقة تصعب مراقبتها. عندما وصل إيراسموس لأول مرة إلى إنجلترا قادماً من باريس في العام 1499، كان مندهشاً بمعرفة كم هم الإنجليز أكثر غراماً بتقبيل بعضهم البعض من الفرنسيين المحتشمين. وقال: "عندما تصل، يستقبلونك بالقبلات من جميع الجهات، وعندما تستأذن بالرحيل، يرافقونك كل طريقك بالقبلات". أينما يتحول المرء، فإن "العالم مليء بالقبلات". ولم تعاود موضة التقبيل تلك الظهور مرة أخرى لبضعة قرون، وبحلول القرن التاسع عشر كان البريطانيون يفتقرون إلى العروض العامة للمودة، لدرجة أنهم اكتسبوا سمعة كونهم أكثر الناس ابتعاداً وبروداً في العالم.
    الآن ثمة ثورة أخرى تبدأ: موضة التقبيل وعناق الدب ستبدو قريبًا –ليست عتيقة الطراز فحسب، وإنما مثيرة للاشمئزاز. وسوف يفخر الناس بالإبقاء على مسافة لائقة من إخوانهم من البشر -ليس فقط لأنهم يريدون تجنب التقاط شيء -وإنما لأنه الشيء الصحيح والمتحضر الذي يجب فعله.
    *(مجلة 1834): مجلة شقيقة لمجلة "الإيكونوميست"
    *Adrian Wooldridgeis: المحرر السياسي وكاتب العمود في مجلة "الإيكونوميست".
    *نشر هذا المقال تحت عنوان: Coronavirus etiquette: greeting in the age of social distance