أثر جائحة كورونا على منحنى استهلاك مياه الشرب

جريس دبابنة* مع استمرار معاناة العالم أجمع من جائحة كورونا وآثارها فإن قطاع المياه ومياه الشرب تحديداً كان له نصيب من الآثار السلبية بالرغم من اعتباره أحد العناصر المهمة للمساعدة في أعمال التنظيف والتعقيم والغسيل وفي تغيير عادات الناس نحو الأفضل والمتمثل بمزيد من النظافة وتكرار غسل الأيدي وعدم التهاون في ممارسات النظافة العامة عند استخدام المراحيض وقضاء الحاجات الطبيعية للإنسان والممارسات قبل الشروع بتناول الأكل وخلافه. تصاعدت برامج التوعية من قبل الحكومات والمنظمات الإنسانية والصحية عند بداية الجائحة واستمرت الى اليوم وكلها تطالب العامة بمزيد من الوقاية الصحية وكانت أنشطة غسيل الأيدي ولبس الكمامات والتباعد الاجتماعي رؤوسا لمثلث الوقاية من انتقال الفيروس. عند استعراض منحنيات استهلاك مياه الشرب النظيفة اليومي قبل وخلال الجائحة نجد أنه قبل الجائحة كان الاستهلاك يحتوي عموما على فترتي ذروة رئيستين واحدة صباحية وواحدة مسائية، تتعلقان بالحاجة للمياه عند انتهاء فترة النوم وصلاة الفجر والذهاب للعمل، والثانية عند العودة من العمل مساء في حدود الساعة الخامسة وحتى الثامنة وتتغير قليلاً خلال أيام الجمع وأيام السبت وخلال شهر رمضان المبارك بسبب اختلاف ساعات العمل المقررة موسمياً، فهناك فرق بين الصيف والشتاء بسبب العطل الدراسية واستمرار حاجة الناس للذروة المسائية لساعات سهر اطول نظرا لاستمرار النشاطات المسائية بسبب طقس الاردن الجميل الذي يسهم صيفاً باستخدام المرافق الخارجية المنزلية وغير المنزلية. أما في زمن الجائحة فإن هذا المنحنى وفترات ذروته أعلاه قد قارب نسبياً من التسطح وعدم وجود ذروات مدببة لهذا المنحنى بسبب تغيير العادات المتعلقة باستخدام المياه بشكل أكبر وعلى كميات متقاربة نسبياً على مدى النهار الواحد وعلى سبيل المثال من كان معتادا ان يغسل يديه عند العودة للمنزل مساء اصبح يغسل يديه مرات عديدة في النهار وفي أمكنة العمل المختلفة وقبل عودته للمنزل، إضافة إلى تغيير أنماط النظافة والتعقيم في كافة الأنشطة الأخرى التجارية والصناعية، ويتركز ذلك اكثر في الصناعات الغذائية والطبية والتي التزمت بالمعايير الجديدة للوقاية من الجائحة وتعزيزا للتنافس التجاري والصناعي واصبحت مظاهر التعقييم والوقاية العالية من مقومات التنافس التجاري والصناعي. هذه الأمور مجتمعة وضعت حملاً ثقيلاً على مزودي خدمة مياه الشرب ليس فقط في الأردن وإنما في كافة دول العالم، وإن الدول الغنية بالمياه ذات الاقتصادات القوية أصبح لها مصدر دخل إضافي من استهلاك المياه المرتفع، أما في الدول الأخرى وكون أن خدمات المياه مدعومة من الدولة بسبب غلائها وشح الموارد المائية والمالية فقد ترتب عبء إضافي على هذه الخدمات سارت بالاقتصاد المائي الى الأسفل وأصبح يشكل مصدر قلق لعدم توفر الإمكانية لمزيد من الاستثمار في قطاعات مياه الشرب إنتاجاً وتوزيعاً، إضافة الى العبء المادي الآخر الملقى على كاهل المستهلكين والمتمثل بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتوقف بعض الأنشطة لدرجة الشلل، الأمر الذي أجبر الحكومات على عدم المطالبة بشكل صارخ بأثمان المياه ورسومها وضرائبها ومبالغها الثابتة والتي كانت تصل الى الحجز على الممتلكات والأصول قبل الجائحة. واستمرت سلسلة الركود لتصل بالتالي الى مزودي خدمة المياه وانخفاض القدرة على الاستمرار لفترات أطول اقتصادياً بسبب الأحمال المالية الثقيلة وعدم إيفاء المشتركين بالتزاماتهم. لن أقوم بتقديم حلول سحرية لمشكلة عالمية تتعلق باقتصاد وجائحة كورونا هنا إلا أنه من الواضح أن الطرف الأقوى هو الحكومات في هذه المعادلة، وذلك ليس بسبب توفر التمويل لدى الحكومات بل لإمكانية تغيير التشريعات بشكل مؤقت أو اتخاذ إجراءات تخفض الأثر على المواطن وعلى مزودي الخدمة إن لم يكونوا حكوميين بالكامل، وما أقصده هنا ما يتعلق بإجراءات الإعفاء من الرسوم والضرائب والمبالغ الثابتة او التخفيف منها او تأجيل الآجال المالية وفترات السماح وإيقاف إجراءات الحجز عن الأموال المنقولة وغير المنقولة لصالح الحكومات، والأمانة هنا تستوجب القول وكوننا بالأردن إن الحكومة ممثلة بقطاع المياه قد اتخذت العديد من الإجراءات لصالح المواطن فيما يتعلق بالمياه من تأجيل وتقسيط الدفعات المستحقة وعدم الحجز على الأموال ودراسة إلغاء بعض بنود فاتورة استهلاك المياه بالرغم من تعاظم الحمل الاقتصادي على الحكومة وتماشياً مع اعتقاد العامة والواقع، أن الحكومة دائما هي الأقوى. *خبير مياهاضافة اعلان