أجراس الخطر دقت منذ زمن

يعتبر تصريح رئيس الوزراء، د.عبدالله النسور، في ملتقى رؤساء الجامعات حول أزمة التعليم، والذي قال فيه إن نتائج التوجيهي "دقت أجراس الخطر"، أول اعتراف رسمي بهذا المستوى ومن رأس السلطة التنفيذية، بعد سلسلة من الاعترافات الصادمة التي لم يتوقف وزير التربية والتعليم، د.محمد الذنيبات، عن تقديمها للرأي العام منذ عدة أشهر. والسؤال الكبير اليوم: ما العمل؟اضافة اعلان
قبل مناقشة ما يدور من أفكار وخطط، لا بد من لفت الانتباه إلى أننا نأتي متأخرين؛ فقد تعبت الأجراس من الدق منذ أكثر من عقد. والدراسة (أو التقرير) التي استندت إليها المعلومات حول مستوى التلاميذ في الصفوف الثلاثة الأولى، وكشفت عن أمية نحو ربع هؤلاء التلاميذ، هي دراسة تعود إلى أكثر من عامين. وتراجع موقع الأردن في الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات، بدأ منذ أكثر من أربع سنوات. والعنف الذي يضرب الجامعات يتفاقم منذ أكثر من عقد. ونتائج اختبار الكفاءة الجامعية لم يكشف النقاب عنها بعد. وحدث ولا حرج عن عشرات الملفات الأخرى في التعليم العام والعالي التي ضربت نواقيس الخطر حتى تعبت.
نتائج مدارس المحافظات في "التوجيهي" كانت صادمة أكثر من غيرها. وعلى الرغم من أن 25 مدرسة في البادية، و13 مدرسة في الأغوار، لم ينجح فيها أحد، إلا أن النتائج في المجمل تحمل مؤشرات متناقضة، وتحتاج إلى المزيد من التحليل. فهناك عدد كبير من الأوائل من تلك المدارس. ما يعني وجود تحد حقيقي في نوعية المعلمين، ومدى استقرارهم في تلك المدارس، إضافة إلى عناصر أخرى غائبة في البيئة المدرسية. كما أنه من المخجل هذا التراجع في مستوى اللغة العربية؛ إذ تجاوز الإخفاق في التخصصات كافة نحو 60 %. يحدث ذلك والعالم كله يشهد طلبا غير مسبوق على تعلم العربية لم يحدث منذ القرن الثالث الهجري، وآخر الأخبار أن الجامعة الأميركية في بيروت قررت تدريس بعض مساقات العلوم بالعربية.
بعد أن أخذ الجميع علما بحجم الأزمة، لا نريد أن يخضع مستقبل التعليم لصراع الأجندات والإرادات السياسية. هناك أكثر من خطة وأكثر من رؤية في مجالي التعليم والتعليم العالي يدور الحديث حولها اليوم، وهناك العديد من الخطط التي وضعت خلال السنوات الماضية ولم يُلتفت إليها. وحتى إن اعتُمدت خطة توافقية، فمن يضمن تطبيقها، وهل ثمة أطراف لا تتفق مصالحها مع برنامج وطني قاس لإصلاح التعليم في المدارس والجامعات؟ للأسف، يوجد؛ وإلا ما تفسير الاحتجاجات التي أطلقها طلبة مدارس في عدد من المحافظات احتجاجا على مجرد تصريحات إعلامية عن تغييرات في إجراءات "التوجيهي"، وهي على الأغلب ستنال طلبة السنوات المقبلة؟!
لدينا تاريخ حافل بالقصص والأمثلة على تردد الإدارات الحكومية والجامعية، ورضوخها لتدخلات متعددة المصادر. وهذا ينسحب على إصلاح التعليم وغيره. ولدينا أمثلة على أن الكثير ممن يؤيدون اليوم، وعبر وسائل الإعلام، أي قرارات إصلاحية تتخذها وزارة التربية والجامعات، هم من يحاولون في الغد ممارسة كل الضغوط وأشكال الاحتجاج لإجبار هذه المؤسسات على التراجع عن تلك القرارات.
كل ما تحتاجه الدولة والمجتمع هو إرادة حقيقية تقف خلف خطة إصلاحية مهما كانت قاسية. فنحن نتحدث عن التعليم؛ رأس المال الحقيقي الذي لا يحتمل ترف الانتظار، ولا مغامرات الهواة.

basimtweissi@