أجندة سياسية وطنية جديدة

 الظروف السياسية والتشريعية وحتى الإقليمية الراهنة تضع الأردن على أهبة الاستعداد لإحداث نقلة جديدة في البنى والأداء السياسي في البلاد، فلم تعد حالة الطوارئ الإقليمية التي لا تنتهي عائقا أمام التقدم خطوات في التحديث والإصلاح السياسي والإداري في البلاد، فيما ثمة توافق وطني صامت إلى حد ما يقول إننا قادرون على إحداث هذا الانتقال، والأمر الآخر أننا أمام حقيقة أخرى نضجت واختمرت في تحولات ما سمي الربيع العربي، مفادها القناعة بأن التحديث والإصلاح السياسي والإداري بات مصلحة وطنية بدون أدنى شك حتى  لدى الكثير من النخب التي كانت توصف بالأكثر محافظة.اضافة اعلان
الإنجازات التشريعية المتمثلة في قانون الانتخاب وقانون اللامركزية وقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد جميعها تشكل البنية التحتية لانطلاقة جديدة في التحديث والاصلاح السياسي والإداري، فقد حان الوقت للحديث عن أنموذج أردني جديد في التحديث السياسي والإداري وسط حالة الفشل والفوضى التي تعم المنطقة، حيث يخرج الأردن من نوبات التكهنات وازدحام مصادر التهديد وسيناريوهات الفوضى والحروب واللاستقرار التي لم يبق عدو ولا صديق إلا وأدلى بدلوه فيها خلال السنوات الخمس الأخيرة، فالثراء الحقيقي الذي يتمتع به هذا البلد إلى جانب ثراء رأس المال الاجتماعي الذي ما يزال متماسكا رغم تواضع الثقة العامة هو الثراء السياسي الذي يحتاج أن نستثمر به ليس في المستقبل البعيد بل في المستقبل القريب.
رغم كل مصادر التعثر التي شهدتها البلاد، وعلى الرغم من أن محصلة  مسار الإصلاح السياسي الطويل التي مر به الأردن منذ نهاية الثمانينيات تلخص بخطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف إلا أن الناظر من الخارج للأردن اليوم يلمس بصدق تلك الميزة التي تخرجه من سياق البيئة الإقليمية وهذه الميزة تتمثل بنوع من الثراء السياسي الذي أنجز هذا الاستقرار وحافظ على احترام الآخرين وعلى قدر من المصداقية والانتقال السلس بين أقطاب السياسة والاقتصاد في العالم.
لا يمكن أن ننظر للمرحلة القادمة على أساس أنها مجرد انتخابات برلمانية جديدة، وحكومة جديدة، نحن بحاجة الى مبادرة  سياسية كبيرة تطرح  نموذجا أردنيا مختلفا للإصلاح والتحديث السياسي والإداري يعيد تحريك الخميرة السياسية والاجتماعية المحلية ويحرك البحيرات الراكدة ويخلق حيوية اجتماعية جديدة، لماذا الآن؟ لأن هذا الوقت هو الأنسب أردنيا أن تتقدم الدولة بخطتها الإصلاحية وأن لا تملى عليها من الخارج وأن تتقدم بها وهي بعافيتها وليس وهي ضعيفة وتحت ضغط  مصادر تهديد.
التحول التاريخي المطلوب، يبنى ببساطة على ثلاثة أعمدة أساسية وهي حكومة قوية تمتلك ولاية عامة حسب مقتضى الدستور وبرلمان قوي يمارس صلاحيته بإطلاقها وإرادة سياسية لتفعيل منظومة النزاهة، ما قد ينسحب على الإدارة العامة للدولة وبالتالي على الثقة العامة. هذا يؤسس التحول لبناء حياة سياسية تذهب نحو التعافي من علل وأمراض مزمنة إذا ما ارتبط ذلك بحزمة من الإصلاحات الإدارية والاجتماعية  وتحسين بيئة عمل المؤسسات ذات الصلة بالحياة العامة؟
المجتمعات والدول كائنات حية تصاب بالعلل والأمراض وقد تنشلّ عن الحركة أو تعاق وقد تموت، هذه الكائنات بحاجة إلى دفعة قوية في كل مرحلة كي تستعيد قدرتها على التجاوز والعبور.