أحداث الرصيفة.. "النافذة المكسورة"!

في كتابه المشهور "نقطة تحوّل: كيف تقوم أشياء صغيرة بإحداث تغييرات كبيرة"، يتحدث مالكوم جلادويل عما يسمى نظرية "النافذة المكسورة" وهي نظرية مهمة جداً في فهم ظاهرة البلطجية والعصابات، في بعض المدن والأحياء. وفي الكتاب يأخذ مثالاً مدينة نيويورك قبل قرابة أربعة عقود، عندما انتشرت فيها الجرائم، قبل أن يتمكن عمدة المدينة من معالجة تلك المشكلات خلال فترة قصيرة، فأصبحت الصورة معكوسة تماماً!اضافة اعلان
النظرية التي تفسّر ما حدث هي نظرية كرة المضرب والنافذة المكسورة، وجوهرها يقوم على فكرة رمزية بسيطة، تتمثّل فيما لو أنّ كرة ارتطمت بزجاج عمارة، ولم يقم أحد بإصلاح الزجاج، تكون هنا بذرة الوباء أو المرض، إذ ستتحول العمارة في البداية إلى مكبّ نفايات، ثم إلى أوكار للجريمة، وسوف ينتشر المرض- الفكرة- الرسالة، حتى يتم تكسير نوافذ أخرى، ثم تعمّ الجريمة والفوضى والتمرّد على القانون ويظهر رجال العصابات، وتغيب سلطة القانون.
ما شدّ اهتمامي لكتاب جلادويل ولهذه النظرية (في علم الجريمة أو التحولات الاجتماعية) هو تركيزها على نقطة نتحدث عنها دوماً وهي "قانون السياق"، فكما أنّ الكلام لا يفهم بصورة صحيحة إلاّ في سياقه، فإنّ انتشار الجرائم أو التطرف أو الخروج على القانون لا يفهم كذلك خارج سياقاته الموضوعية، التي تمثّل البيئة الحاضنة له، وهكذا، فإنّ بعض الظواهر تتحول إلى ما يشبه الوباء نتيجة أمور بسيطة وصغيرة والعكس صحيح، ما يصبح أشبه بالرسالة، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
مناسبة هذا الكلام، بالضرورة، مرتبطة بأحداث الرصيفة وحديث الناس عن ظاهرة الأتوات وعصابات الشوارع، وهي ظاهرة موجودة منذ عقود في الأردن، لكنها أصبحت أكثر خطراً وفتكاً وانتشاراً، خلال الأعوام الستة الماضية، أي في لحظة الربيع العربي وبعدها، نتيجة تراخي الدولة في تطبيق القانون، بصورة عامة، ما أدى إلى بروز ظاهرة ما سمّيناه التنمّر والخروج على القانون، ووصل الأمر إلى الثانوية العامة، المخدرات، التطرف، سرقة الكهرباء والماء، وسرقة السيارات، وظاهرة العصابات.
بدأت الدولة، للأمانة، بمعالجة تلك الظواهر، ونجحت في أكثر من مكان، لكنّها ما تزال بحاجة إلى رسالة قوية واضحة وصريحة في مواجهة أصحاب الأسبقيات ورجال العصابات، وظاهرة الخاوات أو الأتوات، وتتمثل بتحديد الرسالة التي تريد أن تبعث بها من خلال إجراءات معينة، ولو كانت بسيطة، لكنّها ستكون مؤثّرة ونقطة تحوّل في التعامل مع هذه الفئة!
في الأعوام الماضية كانت هذه الفئة محمية من نواب أو أعيان أو وجهاء، وكانت تستغل الثغرات التشريعية وضعف التنفيذ القضائي، والخوف المبرر من قبل التجار وشريحة اجتماعية واسعة من مواجهة هذه الفئة. من الضروري الآن أن تكون الرسالة معكوسة تماماً، وأن توسم هذه الفئة وتحدّد بصورة خاصة، ويتم التعامل معها على هذا الأساس من قبل الأمن، من خلال المراقبة والملاحقة أو توفير غطاء قانوني تشريعي للأمن لإيقافها عند حدّها.
من الظواهر التي لا يتم التطرّق إليها، وتكتسب "شرعية الأمر الواقع"، في بعض المناطق، ظاهرة الأتوات، من المصانع والشركات الكبيرة عبر حراسات ووظائف وهمية (أقرب لمبدأ كفّ بلاء)، أو توفير حماية لتلك الشركة من اللصوص والحرامية في تلك المنطقة، وهي ظاهرة معيبة وغير مقبولة أبداً في الأردن.
يؤكّد نواب مخضرمون ومتخصصون في القضاء (تعقيباً على مقالة أمس) أنّه لا توجد مشكلة تشريعية بقدر ما أنّ المشكلة في توافر القرار السياسي، ويؤكّدون أنّ هنالك صلاحيات وسلطات تنفيذية ممنوحة على أكثر من صعد للمعنيين تمكّنهم من التعامل بقوة وحزم مع الخارجين على القانون!