أحداث تشرين الأول – 20 سنة من الطمس

0001
0001

هآرتس

بقلم: عبير بكر

2/10/2020

لقد شاء القدر أن يكون دخولي الى عالم حقوق الإنسان في اعقاب قتل 13 شابا فلسطينيا تم اطلاق النار عليهم على أيدي رجال الشرطة في المثلث والجليل، بالضبط قبل عشرين سنة. بعد ذلك انضممت للطاقم القضائي في "عدالة" الذي مثل عائلات القتلى. الجيل الذي انتميت اليه في حينه كان "الجيل المنتصب" الذي طالب بالاعتراف بمظاهر هويته الوطنية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ عن مواطنته الاسرائيلية. إن انتصاب القامة لهذا الجيل تناسب مع النضال القانوني للمواطنين من اجل محاكمة المسؤولين عن ثكلهم، الذي كان شخصيا وقوميا على حد سواء. مع مرور عشرين سنة على تلك الاحداث يمكن القول إنه اذا كان هناك شيء استنفد وتآكل في كل هذا النضال فهو الثقة بالوسيلة القانونية لتحقيق العدالة للضحايا، لدرجة أنه يبدو أن ما تبقى منتصبا من تلك الايام هو فقط العائلات وشواهد القبور التي توجد على قبور القتلى.اضافة اعلان
قصة طمس ظروف موت المعلم يعقوب
أبو القيعان لم تكن غير صورة مصغرة لما حدث قبل عقدين وما زال مستمر حتى الآن. ايضا في حينه، مثلما هي الحال الآن، امتنع المدعي العام للدولة والمستشار القانوني للحكومة من توجيه انتقاد مباشر وعلني للشرطة والقناصة، قررت لجنة التحقيق الرسمية برئاسة القاضي ثيودور أور، بأن اطلاق النار الذي نفذوه في الـ 13 متظاهرا شابا لم يكن مبررا.
ايضا في حينه امتنعت جهات انفاذ القانون عن توجيه الانتقاد لقسم التحقيقات مع الشرطة بسبب الاهمال الاجرامي في التحقيق في الاحداث التي قتل واصيب فيها الكثير من المواطنين. ولكن في حينه الوقاحة كانت علنية بشكل اكبر، والجهات المسؤولة لم تعمل في الظلام وفي ظل مراسلات داخلية يسمح القانون نظريا بمنع نشرها، مثلما فعل شاي نيتسان في قضية أبو القيعان. في تلك الايام المدعي العام والمستشار القانوني لم يترددا في الخروج للجمهور والدفاع علنا عن قسم التحقيقات مع الشرطة، في وقت قريب من نشر الاعلان عن اغلاق ملفات التحقيق. هذا في الوقت الذي كان يجب عليهما أن يعملا، حسب القانون، مثل هيئة استئناف على استنتاجات قسم التحقيقات مع الشرطة اذا اختارت العائلات الثكلى تقديم استئنافات. الحاجة الى الدفاع عن "الاخوة الذين حققوا في قتل العرب"، جعلتهما ينسيان حتى وظيفتهما الرسمية التي لم يقوما بها ولو شكليا. المدعي العام للدولة لم يتردد في الخروج للجمهور والتعبير عن دعمه لقسم التحقيقات مع الشرطة، الذي كان يجب عليه أن يشرف، رغم أنه هو نفسه كان من مؤسسيه وفي السابق كان رئيسه. إن مفهوم "تناقض المصالح" كان ذو علاقة من ناحية جهات انفاذ القانون فقط عندما اتهموا آخرين، وليس لا سمح الله عندما.
قد احسن المستشار القانوني للحكومة والمدعي العام للدولة صنعا عندما قررا على مسؤوليتهما الشخصية القيام باعادة فحص استنتاجات قسم التحقيقات مع الشرطة، التي أيدوها لبضعة ايام. الفحص تم من قبلهم وأدى في العام 2008 الى اصدار وثيقة مخجلة لمني مزوز، الذي تناقض مع نتائج لجنة أور ودعم التحقيق الفاشل والمفشل لقسم التحقيقات مع الشرطة، الذي شرعن مفهوم الشرطة العنيفة المطابق للمفهوم العسكري الذي يرى في المتظاهر عدو يجب القضاء عليه.
العائلات تراقب مهرجان طمس التحقيقات في قتل اعزائهم منذ عشرين سنة. بمفاهيم اليوم سيكون من الصحيح وصف ابناء العائلات كمتضرري اعمال جنائية فعلية، الذين ألم فقدانهم لم يضعف قوتهم للنضال من اجل تطبيق مطالب عادلة. هم لم يفوتوا أي جلسة أو أي حدث عام أو أي مؤتمر صحفي. أبناء العائلات حرصوا على أن يتعلموا ويفهموا العملية من بدايتها وحتى نهايتها. وقد سمعوا بآذانهم كيف قتل ابناءهم. وعدد منهم شاهدوا بأم عينهم أن من قتل ابنهم يقف على منصة الشهود في لجنة اور ويكذب بوقاحة. وقد حملوا اللافتات واشاروا في الشوارع ووجهوا وابل من الانتقادات لممثليهم السياسيين.
بفضل احتجاج العائلات على مدى سنوات رأينا، كرجال قانون، ليس فقط النتيجة غير المفاجئة لمنح الحصانة لرجال الشرطة، بل للطريقة المعيبة والعملية الملوثة لكشف الحقيقة وعدم تطبيق القانون على المسؤولين عن ازهاق أرواح بشر. هذه العائلات جسدت لنا معنى المسؤولية عن حق الفرد في الحياة، بما يتجاوز ما كنا نعرفه حتى ذلك الحين. وبفضل هذه العائلات ادركنا أن الدولة التي لم تجر تحقيقا مناسبا، سريع وغير منحاز، من اجل فحص ظروف موت مواطنيها على أيدي قواتها المسلحة، تخرق على رؤوس الاشهاد واجبها في احترام حق مواطنيها في الحياة.
إن من يمتنع عن التحقيق مع وتقديم شرطي للمحاكمة وجه سلاحه القاتل نحو متظاهر شاب غير مسلح، هو ايضا يتحمل المسؤولية عن المس بحياة هذا الشاب. المسؤولية بسبب اخفاقات التحقيق لا تتقادم حتى مع مرور عقدين، وربما مع انتهاء العقد الثاني للاحداث سيستيقظ أحد ما ويقرر القيام بدوره بأمانة.