أحلام التحرير

هآرتس

ايال زيسر

في الأسبوع الماضي مرت ذكرى عقد على الثورة المصرية التي اسقطت حكم حسني مبارك. في مصر كان هذا يوم حداد وليس بالذات يوم عيد. فالكثيرون في الدولة يرون في الثورة التي وقعت في بلادهم، وفي "الربيع العربي" اياه الذي عصف بارجاء الشرق الأوسط، مثابة مصيبة بل و "وباء" جلب معه الدمار والخراب.اضافة اعلان
حسني مبارك نفسه توفي في السنة الماضية بعد أن تحرر من سجنه واعيد له اعتباره. اولئك الذين اقاموا الثورة ضده وادوا الى سقوطه يمكثون في قسمهم الأكبر خلف القضبان: رجال الاخوان المسلمين الذين صعدوا إلى الحكم بعده والشبان الذين خرجوا الى الشوارع وهم يهتفون لسقوطه.
عند اندلاعها بعثت ثورات الربيع العربي في تونس، في مصر، في ليبيا، في اليمن وفي سورية بعثت في الغرب وفي إسرائيل ايضا الأمل – أو ربما الوهم – في أن عصرا جديدا بدأ وشرق أوسط جديد يشق الطريق. شرق أوسط يتصدره ويقوده من الان فصاعدا شبان مثقفون ومتفائلون، سيصممون وجهه بروح تطلعاتهم ويجعلونه منطقة تتبارك باستقرار سياسي وبازدهار اقتصادي، بالديمقراطية، بالانتخابات وبحقوق الإنسان.
تجدر الاشارة إلى أن أمرا من كل هذا لم يحصل. فشبان كل العالم (العربي) لم يتحد. الاحتجاج انطفأ، وما أن تبددت سحب الغبار حتى تبين أن الشرق الأوسط عالق في النقطة اياها التي كان فيها عشية الاحتجاج. في حالات معينة تراجع حتى إلى مكان أسوأ. مصر كانت محظوظة، إذ ان النظام فيها أعيد الى نصابه والحاكم الشائخ والمنقطع عن الواقع استبدل بحاكم شاب ودينامي. ولكن في دول أخرى أدى الاحتجاج إلى انهيار سياسي والى حروب أهلية مضرجة بالدماء ما تزال نهايتها لا تبدو في الافق.
بالمناسبة، ليست فقط ثورة التحرير هي التي انتهت بقرف، تمر هذه السنة ذكراها العاشرة. فاحتجاج الخيام في جادة روتشيلد هي الاخرى ستحيي قريبا يوم ميلادها العاشر – وهي ايضا، بقدر ما، خيبت أمل مبادريها ونشطائها – وان كان بطريقة اخرى مختلفة تماما. في أمر واحد يتشابه حدثا الاحتجاج، فضلا عن التزامن: يتبين أن " الشباب لا يريدون الثورات حقا"، وانه لا توجد، لا حدودا لحلول الصحفيين والأكاديميين الذين يعرفون أكثر مما يعرف سكان المنطقة ما هو خير لهم وماذا يريدون حقا. فعلى الحدثين البسوا خيالات مشابهة عن الشباب والتغيير.
التقارير في وسائل الإعلام، ولا سيما تلك الغربية بل والإسرائيلية، عما يجري في الشرق الأوسط، تثير غير مرة التساؤل فيما إذا كانت توجد منطقتان في الشرق الأوسط: واحدة تقع على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط والأخرى توجد في عالم مواز، وللحقيقة، وهمي: في تقارير الإعلام وغير مرة، بالمناسبة، في الكتابة الاكاديمية عنها ايضا.
ولكن عمليا، الشرق الأوسط الحقيقي هو الشرق الأوسط القديم اياه، الذي تنغرس اقدامه في تقاليد الماضي، في القبلية وفي العشائرية وفي تقاليد الحكم المطلق، ان لم نقل السلالي، منطقة لا تعرض على سكانها الحرية، التحرر وحقوق الإنسان، منطقة تعيش ضائقة اجتماعية واقتصادية عميقة، انعدام الاستقرار فيها هو الميزة الثابتة.
كلما استوعب الغرب بان هذا الواقع لن يتغير ولن يحاول أحد التشكيك فيه من خلال حلم الديمقراطية التي لا يريدها أحد وان المنطقة هي ناضجة لها، هكذا يكون افضل لسكان المنطقة، مثلما لجيرانها في إسرائيل. في نهاية المطاف فان "ثورة التحرير"، ثورة الورود والشبان والديمقراطية لم تكن الا في الخيال الغربي المنفلت العقال.