أحمد اللوزي: المرجعية الأخلاقية

فقد الأردن، الأسبوع الماضي، واحدا من أفضل رجالاته. إذ خدم أحمد اللوزي الدولة الأردنية لما يزيد على خمسة وستين عاما. وفي حين وصفه عديدون بأنه عميد رؤساء الوزراء الأردنيين، فقد كان اللوزي أكثر من ذلك بكثير.اضافة اعلان
ربما كان أكثر ما يُعرف به الراحل هو أنه بحق مرجعية أخلاقية قل نظيرها. فقد كانت الأخلاق بالنسبة له تسمو على أي شيء آخر. وكان يختزل الدين بالأخلاق، ويردد دائماً أن الاسلام دين الرحمة. وقد وضع لنفسه معايير عالية للتعامل السياسي والاجتماعي والإنساني مع الناس، التزم بها طيلة حياته. وربما يكون السياسي الأردني الوحيد الذي حظي طوال حياته باحترام الجميع ومحبتهم، بغض النظر عن آرائهم السياسية. ولم تحُم حوله ولا حتى شبهة فساد واحدة، رغم خدمته الطويلة في الدولة، وفي زمن شاء كثيرون استخدام السلطة لمنافعهم الشخصية؛ لكن كانت يد اللوزي نظيفة قدر لسانه.
استلم أحمد اللوزي رئاسة الوزراء في ظروف صعبة؛ بعد اغتيال الشهيد وصفي التل. لكن لم يكن الانتقام الأعمى هاجسه، بل عمل بكد لإذكاء روح الوحدة الوطنية في فترة من أحلك الفترات. وربما كان ذلك من أهم إنجازاته. وكان كطبيعته الهادئة؛ يعمل دائما بصمت، ومن دون الالتفات للأضواء. لم يكن إقليميا ولا جهويا ولا متعصبا؛ ببساطة، كان أردنيا كما يجب أن تكون عليه المواطنة الأردنية الحقة.
طبيعته الهادئة، وعفة لسانه، لا تعنيان أنه لم يكن صاحب موقف. وقد اختار التعبير عن مواقفه المبدئية بالكلمة والموعظة الحسنة. كان مرجعية دستورية؛ ليس كالبعض الذي كان يحاول تطويع الدستور لمكاسب معينة، وإنما كفقيه دستوري أمين، يشكل الدستور بالنسبة له ضمانة لحماية المجتمع وتنظيم أعماله. فما سعى إليه أحد لاستشارة دستورية، إلا وهو يعرف أنه يأخذ رأيا حكيما صائبا، لا يبتغي إلا المصلحة العامة الخالصة من أي شائبة. وبهذا يستحق اللوزي لقب عميد الحكماء الأردنيين، قبل أن يكون عميد الرؤساء.
قد لا يعرف كثيرون أنه أثناء ترؤسه لجنة تعديل الدستور التي شكلها جلالة الملك عبدالله الثاني ضمن أجواء الربيع العربي العام 2011، كان اللوزي من أشد المتحمسين لتعديل المادة السادسة من الدستور التي تنص على أن "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"، لتشمل الجنس أيضاً. إذ كان من المؤمنين بحقوق المرأة الكاملة ومساواتها مع الرجل. ولم تمر التوصية لاعتبارات واهية، وضمن ظروف لا مجال لذكرها. لكن تلك الظروف لم تثنه عن مواصلة العمل، وتقديم النصيحة الصادقة.
بالرغم من فارق السن، فقد عرفت دولته عن كثب؛ إذ كان صديقا عزيزا لوالدي رحمهما الله. وكنت أنشد رأيه دائماً خلال فترة عملي في الحكومة وخارجها. وقد التقيته للمرة الأخيرة قبل بضعة أشهر، في منزله مع ابنه الصديق العزيز ناصر، واستشرته بشأن ما يمر به البلد من تحديات. وبالرغم من تقدمه في السن، إلا أن عقله كان وهاجا، ورأيه في غاية الحكمة، كما أن دعمه لقضايا الاعتدال والوسطية والتعددية والإصلاح الحقيقي مدعاة للافتخار.
تواضعه، وحكمته، وعفة لسانه، ونظافة يده، وأدبه، وسداد رأيه، ونقاء روحه.. جعلت أحمد اللوزي مرجعية أخلاقية أردنية بامتياز.