‘‘أخضر يابس‘‘.. معالجة سينمائية لقضايا نسوية جريئة

مشهد من فيلم "أخضر يابس"- (الغد)
مشهد من فيلم "أخضر يابس"- (الغد)

إسراء الردايدة

عمان- "أخضر يابس" للمخرج المصري محمد حماد، يعد من أهم الأفلام المصرية في العامين الأخيرين، من حيث المضمون والمعالجة السينمائية.اضافة اعلان
"أخضر يابس" هو الفيلم الأول لحماد، الذي اختار وجوها جديدة ليجسد موضوع فيلمه ويجعله أكثر واقعية، بحيث ينقل ويغوص بما تعانيه المرأة العربية بالعموم، وذلك من خلال بطلته المصرية "إيمان".
"إيمان" تلك الشخصية المحافظة الملتزمة التي دائماً ما تضع نصب عينيها التقاليد والأعراف الاجتماعية الراسخة. ولكن حدثاً صادماً يجعلها تضرب عرض الحائط بكل قناعاتها السابقة، هي فتاة لم تتزوج رغم سنها المتقدمة، وتعيش مع شقيقتها نهى. تطلب البطلة إيمان من أعمامها الثلاثة الحضور لمقابلة عريس تقدم لشقيقتها، ولكن كلا منهم يقدم عذرا حتى لا يأتي.
تعيش إيمان حالة من القلق، بسبب انقطاع الطمث في غير وقته، كما تلجأ للانعزال عن الآخرين بسبب تراكم المسؤوليات عليها، وسط شعورها بالحزن والوحدة في هذه الحياة.
مشاهد الفيلم وإيقاعه البطيء يعكسان ما تشعر به إيمان، خاصة بعد زياراتها المتعددة للطبيب الذي يكشف وجود خلل ما في جسدها، واحتمالية إصابتها بمرض خبيث، تلك الهموم والمخاوف واليأس الذي لا يمكن لها مشاركته مع أي شخص يتجسد في محيط الفيلم العام، كونها ألوانا رتيبة باهتة لا حياة فيها.
إيمان تمثل تلك الفتاة المنكسرة، التي تتحمل مسؤوليات تفوق قدراتها، في مجتمع يفرض تقاليد ذكورية فيما يتعلق بالاستقلالية التي تعتمد على الجانب المادي، وليس إدارة شؤونها الاجتماعية، رغم اعتمادها على ذاتها في العيش بعيدا عن أفراد العائلة التي لا تتواصل معهم.
في الفيلم كل شيء يبدو كئيبا ساكنا، حتى غياب الموسيقى التصويرية التي استمدت حضورها من الواقع بين ضجيج الشارع وهدوئه في نهار وليل القاهرة وحركتها اليومية التي تعيشها إيمان خلال رحلة تنقلها وواقع حياتها الخالي من ترابط أسري وحضن دافئ، ضبابية ترتبط بما يخفيه المستقبل، وحتى إيقاع الأحداث البطيء الذي ارتبط بالصمت وبرود العلاقة بين الأختين.
واستخدم المخرج الأخضر والأزرق والرمادي، وجميعها ألوان مستمدة من المحيط وحالة الركود التي تعيشها إيمان، والمساحة متعددة الطبقات للمنزل التي تبرز التفاعل بين الضوء والظلام، ويدعو لمزيد من التعمق لما وراء الصورة. كلها مؤثرات بصرية ترتبط بالسينما الواقعية المصرية، التي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي باستخدام كاميرا محمولة، وحياة حقيقية.
الفيلم يرتبط كثيرا بالتفاصيل غير اللفظية من البيئة، إلى جانب حالة التنافر في تقبل حقيقة ما يمكن أن تحمله الفحوصات الطبية والخوف والهلع المرتبط بأنوثة إيمان، وحتى من فكرة التعامل مع موضوع حساس يتعلق بحالة الطمث عند المرأة، والتي تعد من التابوهات، وكيفية نظر المرأة لنفسها.
"أخضر يابس"، من بطولة أسماء فوزي، التي استطاعت بتعابيرها وصمتها تقديم شخصية إيمان بعمق، كما انعكست الكثير من مفردات المكان ورموزه على شخصيتها.
هو فيلم يكشف ذلك الألم الذي تمر به المرأة في المجتمعات المغلقة، وسط هيمنة الذكور، فيرفض استقلالية المرأة والطريقة التي تتعامل بها، لذا "أخضر يابس" يرمز للخصوبة، وفي الوقت ذاته للكسر والقهر المبني على أن المرأة مجرد جسد بنظر الذكر.