أخطاء اقتصادية قاتلة

السياسات الاقتصادية التي اتبعت في العقدين الأخيرين لم تكن بمعزل عن الأخطاء أو الخروج عن الأهداف التي وضعت لأجلها، لكن هناك بعض الأخطاء ما يزال الاقتصاد يدفع ثمنها لغاية يومنا هذا، وفي اعتقادي أنها أخطاء قاتلة يتحمل مسؤوليتها الحكومات التي نفذتها. في التخاصية خرج الهدف الرئيسي من تطوير الإدارة والإنتاجية إلى مفاهيم العائد المادي المباشر في بعض المشاريع دون النظر للأهمية الاستراتيجية للشريك، كما حدث في الفوسفات والملكية وغيرها من الشركات التي تم خصخصتها وبقيت تحت مظلة الخسائر، رغم ان مثيلتها من الشركات حققت نموا كبيرا في أنشطتها على مختلف المستويات الاستثمارية. برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والذي تجاوزت كُلفه نصف مليار دينار والذي مول من المساعدات الخارجية وبعض عوائد التخاصية، كان في سنواته الثلاث برنامج تمويلي مُنفصل عن الموازنة بشكل كامل، وبعد انتهاء فترته أُدخل مباشرة على الموازنة العامة بِكُل مشاريعه التي أصبحت عبئا ثقيلا على الخزينة التي لم تتمكن من تلبية الاحتياجات التمويلية لمشاريع البرنامج الذي باتت الخزينة مسؤولة عن نفقاته التشغيلية التي تتجاوز المليار دائما، وهنا اضطرت الخزينة إلى اللجوء للاقتراض الداخلي بشكل جنوني أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن، ناهيك عن أثر برنامج التحول على المساعدات التي كانت موجهة للخزينة مباشرة، حيث تأثرت سلبا وتراجعت بحكم أن المانحين فضلوا منح المساعدات لبرنامج التحول بشكل اكبر من الخزينة، وهذا سبب نموا هائلا في العجز. صفقة نادي باريس التي تم بموجبها شراء ما يقارب الـ3.1 مليار دولار من ديون المملكة الخارجية بواسطة استخدام عوائد التخاصية المتوفرة حينها (1.6 مليار دينار)، إضافة لفوائد بيع ارضي في ميناء العقبة وعمان لمستثمر إماراتي بمبلغ يقارب الـ500 مليون دولار، حيث تم تخفيض نسبة الدين الخارجي إلى ما دون الـ35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان هذا تطور إيجابي كبير، سرعان ما تبددت إيجابياته بسلبيات كبيرة، حيث بدأ مسلسل الاقتراض الخارجي والداخلي من جديد وبشكل غير مسبوق، ليتبين بعد ذلك ان الصفقة لم تكن ضمن إستراتيجية لمعالجة الدين وتخفيضه بقدر ما كان تجميلا وتحسينا لصورة الأردن الائتمانية من أجل اقتراض جديد. مشاريع الطاقة المتجددة في مرحلتها الأولى والثانية لها ما يبررها من الناحية الاستراتيجية والحاجة الملحة وقتها لتوفير بدائل الطاقة وعلى أسعارها القابلة للنقاش والتفاوض، رغم ان الكميات باتت تفوق احتياجات واستهلاك المملكة الإجمالي، فما هو المبرر لمشاريع جديدة في الطاقة بتعرفة كبيرة تُكلف الخزينة ما يقارب الـ500 مليون دولار سنويا، فائض الطاقة لا تستخدمه ولا تستهلكه ولا تصدره الحكومة، مما يعني عجزا جديدا نتيجة قرارات غير مدروسة وبعيدة كُل البعد عن دراسات الجدوى الاقتصادية الحقيقية. خطة إعادة الهيكلة العام 2010 والتي قدرت كُلفتها حينها بحوالي 80 مليون دينار، ليكتشف الجميع ان كلفتها تجاوزت الـ500 مليون دينار لغاية يومنا هذا، مع خروج اغلب الخبرات الإدارية، مع مكافآت الموظفين الذين عين غالبيتهم بالواسطة والمحسوبية، لتضاف هذه الكُلف الإدارية إلى الكُلف المالية الباهظة التي شكلت عجزا جديدا مُضافا لعجز الموازنة الأصلي، يدفع ثمنه الأجيال المتعاقبة نتيجة قرار إداري خاطئ وخطير مر مرور الكرام دون محاسبة أو مُسائلة وكأن شيئا لم يحدث. الأخطاء السابقة كُلفها الاقتصادية جسيمة وأضعاف ما يتحدث به البعض عن الفساد المالي وسرقة مباشرة للمال العام، فكُلف أحد هذه القرارات اكبر عشرات الأضعاف من كُل حالات الاعتلال المباشر وغير المباشر التي أصابت المال العام منذ تأسيس الإمارة.اضافة اعلان