أدنى من القدرة على احتماله

قبل أشهر قليلة من استقالتها، كانت حكومة الدكتور عبدالله النسور على وشك اتخاذ قرار برفع الحد الأدنى للأجور في الأردن من 190 دينارا إلى 220 دينارا، وفي رواية أخرى 240 دينارا. لكن، وتحت ضغط من غرف الصناعة والتجارة، تأجل القرار إلى إشعار آخر.اضافة اعلان
حكومة الدكتور هاني الملقي فتحت نقاشا داخليا حول الموضوع. لكنها لم تقترب بعد من اتخاذ موقف نهائي، خاصة في ظل احتجاج متوقع من الصناعيين والتجار، والذين يعانون من أوضاع مالية صعبة بفعل تراجع حركة الصادرات، وتدني الحركة التجارية.
لكننا يوما بعد يوم نجد أنفسنا أمام وضع لا يحتمل المراوغة والتأجيل. فمقابل الآثار المتوقعة لرفع الأجور على المصانع وشركات القطاع الخاص، هناك نتائج كارثية ستترتب على بقاء الوضع على ما هو عليه حاليا، تمس حالة الاستقرار في البلاد على المدى القريب.
ملف الأجور في القطاعين العام والخاص، يقترب من أن يكون كرة نار ملتهبة، لم يعد بمقدور الأغلبية الساحقة احتمالها، إذا لم تبادر الجهات المسؤولة في القطاعين إلى تبريدها قليلا.
تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان حول "أوضاع حقوق الإنسان للعام 2015"، والذي نشرته "الغد" أمس، يذكرنا بحجم التحدي في هذا المجال. فقد جاء فيه أن 73 ألفا من مشتركي الضمان الاجتماعي، يتقاضون أجرا شهريا مقداره 190 دينارا للفرد الواحد؛ و72 ألف مشترك أجورهم تقل عن الحد الأدنى للأجور؛
و60 % من متقاعدي الضمان الاجتماعي تبلغ رواتبهم 300 دينار فما دون.
رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، وكما يشير تقرير المركز الوطني، ليست أفضل حالا من رواتب المتقاعدين.
لا أحد يجادل بصعوية الوضع المالي في البلاد، وانعدام القدرة على زيادة الرواتب في القطاع العام، والتحديات التي يواجهها القطاع الخاص أيضا. لكن لم يعد لدينا هامش كبير للمناورة على المستوى الاجتماعي. الأغلبية الساحقة تواجه مأزقا غير مسبوق بحدته؛ أجور متدنية، يقابلها ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات. لا يمكن أن تستمر المعادلة على هذا النحو. ينبغي مراجعة أحد طرفيها؛ إما زيادة الأجور، أو انتهاج سياسات اقتصادية بديلة تضمن خفض كلف الحياة على المواطنين.
هناك نافذة صغيرة في نهاية النفق تخص القطاع الخاص، وهي التوقعات بإعادة فتح معبر الكرامة مع العراق واستئناف الحركة التجارية بين البلدين. في اعتقادي إن إنجاز هذه الخطوة مع العراق أكثر جدوى من الرهان على استثمارات الصناديق السيادية، لأن قطاعات كثيرة ستتحسن حالها، وبشكل سريع، مع عودة حركة التجارة والنقل بين الأردن والعراق.
مثل هذه الخطوة ستساهم في تحسين موقف الحكومة في مفاوضاتها مع ممثلي أرباب العمل في البلاد، وإقناعهم بزيادة الحد الأدنى للأجور، ولو بنسبة قليلة.
وفي كل الأحوال، قد لا يكون هناك مناص من اتخاذ القرار، حتى في ظل الظروف الحالية نفسها. ومن المفيد في هذا المجال أن تفتح الحكومة حوارا مباشرا مع أطراف العمل للوصول إلى معادلة توافقية، وليكن هذا الحوار علنيا وشفافا؛ فبعض ما يساق من حجج لرفض المبدأ ينطوي على قدر "مدروس" من المبالغة.