أدوار المواطن في مكافحة الإرهاب..!

أتذكر حلقة من مسلسل عربي، عرضت ظاهرة عربية بامتياز: تجمهُر الناس بكثرة عند مواقع الحوادث حيث لا لزوم لهم. وعرضت القصة التلفزيونية حادث سير خطير، توقفت عنده عشرات السيارات فأعاقت وصول سيارات الإسعاف والمسعفين إلى المصابين، وعطلت مغادرتها إلى المشافي. كما اجتهد الناس المحتشدون واختلفوا قبل وصول المسعفين على كيفية التعامل مع المصابين وكادوا يلحقون بهم الأذى.اضافة اعلان
لكَم هذا مألوف في مجتمعاتنا! فإذا وقع حادث من أي نوع، لم يكتف الناس برؤية الذين سبقوهم وتطوعوا للإسعاف والمساعدة، وإنما أصروا على التواجد هناك بلا ضرورة، ومن باب الفضول المحض. وعلى الأغلب، سيؤدي وقوفهم أفراداً ومركبات إلى تعطيل وصول الجهات الأمنية والصحية المختصة في التعامل مع الأحداث. ما هو المغري بالوقوف لمشاهدة جريح ينزف في حادث، أو أناس يشتبكون في مشاجرة تعرض سلوك الرعاع، أو موقع حريق يُفترض أنه لا يسر الناظرين؟
من الجميل قطعاً أن يتحلى الناس بالشهامة وأن لا يَتخلوا عن محتاج إلى مساعدة. فإذا وجد الفرد نفسه الأقرب إلى موقع حادث، سيكون من واجبه المساعدة بالقدر الممكن الذي هو مؤهل له، والاتصال بالجهات المختصة. أما إذا مرَّ بالمكان ووجد غيره قد سبقوه إلى أداء الواجب، فإن وجوده سيضيف عبئاً فقط، بل وربما يأتي بنتائج عكسية ويفاقم الضرر. وقد التقيت مرة بابن لرجل كان بطلاً في الملاكمة، وتدخل في مشاجرة لفض النزاع -معتمداً على قوته- لينتهي به المطاف قتيلاً طعناً بالخطأ من أحد المتشاجرين.
في الأيام الأخيرة، شاهدنا في مقاطع الفيديو عن الأحداث المؤسفة في الكرك، الكثير من المواطنين وهم يختلطون برجال الأمن ويتواجدون خلف العربات المدرعة وهم عزل وغير مؤهلين للاشتباك. ومن حيث المبدأ، لا فرق بين المدني والعسكري في التصدي للإرهاب والمجرمين وأي خطر يحدق بالبلد، لكن من الصعب تصور كيف يمكن أن يعمل رجال الأمن بتركيز إذا تواجدت أعداد كبيرة من الناس في مكان فيه إرهابيون مجرمون واشتباك بالسلاح الحي –ما لم يطلبوا المساعدة. وليس واضحاً بالضبط ما الذي استدعى تواجد المدنيين في تلك الأماكن، في حين يُفترض أن تكون قوات الأمن جاهزة مجهزة وقادرة على التعامل مع أي أحداث بالاحترافية التي تقتضيها المهنة والواجب.
من النتائج السيئة لتولي المواطنين أدوار رجال الأمن، ما عرضه شريط فيديو من ضرب الناس شخصاً خارجاً من قلعة الكرك يوم الأحداث، على اعتبار أنه أحد الإرهابيين، ليتبين فيما بعد أنه سائح عربي بريء هرب من القلعة ولا علاقة له بالإرهاب، كما أوضح مصدر أمني لاحقاً للإعلام. ولنتصور أن ضيف الأردن هذا مات من الضرب –لا قدر الله- بسبب الغضب وفقدان الرشد، كيف سيشعر الذين قتلوه؟ وهل الناس العاديون مؤهلون للتصرف في هذه المواقف بالشكل الذي يتطلبه انضباط العسكريين؟
لعل أفضل أدوار المواطن في هذه الظروف التي تشهد هجمة الإرهاب، هي أن يكون كامل العقلانية واليقظة. ينبغي أن يكون واعياً بوسائل الإرهابيين ودعايتهم وأن يحكم عقله وضميره، ويبقي عينيه على أبنائه وأسرته حتى لا يقع أحدهم في حبائل المتطرفين. وينبغي أن يكون عيناً للوطن والأمن، فيسارع بالإبلاغ عن أي تحركات أو أشخاص مشبوهين، بمسؤولية ووعي وبُعد عن الدوافع الكيدية والتضليلية. ويجب أن يحارب في معتقداته وسلوكه كل اتجاه يحاول تبرير الاعتداء على مقدرات بلده وأرواح مواطنيه. ولا يُعقل أن يعتقد عاقل أن تفجير مؤسسات بلده واستهداف مواطنيه من المدنيين أو العسكريين يمكن أن يكون وطنيّة أو مبرراً في أي معتقد أو دين.
وهناك الدور بالغ الأهمية: إيمان المواطن بما تعرضه الدروس يوماً بعد يوم من أن الخلاص الفردي لن يتحقق إلا بخلاص الآخرين وسلام البلد وأهله جميعاً. ولذلك، يجب أن يحارب الفرد في نفسه ومن حوله أي إغراء إلى العصبوية والعنف والانفصال والكراهية، ويدرك أن الأردنيين كلهم في سفينة واحدة يجب أن يساعد كل من فيها على إيصالها بر الأمان. ولعل هذا الإيمان، وتطبيقه قولاً وعملاً، هما الكفيلان بجعل النسيج الأردني عصياً على الإختراق أمام الإرهاب وأي شيء.