أربعون عاما تشفع لي

تابعت، كما عديدون، ما حدث خلال الشهور الأخيرة في مدن أردنية عدة، وكيف أن العنف اتخذ منحى جماعيا، خارجا بذلك عن صورته المألوفة، التي غالبا ما كنّا نشجبها، ونحن نضرب كفّا بكف مؤكدين: "ليس من شيمتنا".

اضافة اعلان

وربما تابعت أكثر من غيري، بحكم عملي، الأجواء العامة المحيطة لهذا العنف، أقصد الأخبار بتفاصيلها، وتعليقات القراء على المواقع الإلكترونية المختلفة التي أفردت للأحداث مساحات واسعة، خصوصا أن "أخبار العنف" باتت واحدة من الأحاديث الجاذبة في المجتمع، التي كان الناس يتناقلونها عبر جميع إمكانيات التواصل.

لعلّي، إن أردت التعليق على ما يحدث اليوم، سأقول كما كان جميعنا يقول في السابق: "ليس من شيمنا"، غير أن أربعين عاما من الحياة داخل حدود المملكة الأردنية الهاشمية، "قضيتها بلا أي تموّل من أي أجنبي، ولا ارتهان لإرادة عدو"، لا بدّ أن تشفع لي بطرح أسئلة لم تخطر ببالي من قبل: ما نوع الجنون الذي يجتاح بلدي؟ هل نحن أمام سياسة ممنهجة لِبثّ العنف تباعا في المدن الأردنية على امتداد الوطن؟ هل تبدو "مداخلات" قوات الأمن، جميعها، منطقية؟ هل باتت هزيمة المواطن، المكسور بالأصل، أولوية لدى جهات تحاول تشريع سننٍ جديدة في مجتمعنا؟

لم أكتم فرحتي، وأنا أتابع تعليقات المواطنين الأردنيين الذين لم يعرفوا هم أيضا التمويل الأجنبي، أو الارتهان لإرادة الأعداء، وهم يطالبون باستقالة وزير الداخلية ومدير الأمن العام ومدير الدرك، بصفتهم مسؤولين مباشرين، يتحملون وزر الحالة التي يمر بها الأردن، التي تعبر، فيما تعبره، عن فقدان كبير للتوازن لدى جهات يفترض بها أن تكون واعية للعُرْف الذي تحاول ابتداعه.

ولكنني، وبلا شكّ، كنت حزينا وأنا أرى الممتلكات العامّة يتم التعدّي عليها بدواعي "الغضب الذي لا يمكن السيطرة عليه"،  كما حزنت بسبب التطاول على رجال الأمن الذين ندّخرهم لأماننا وطمأنينتنا.

ولكن القاصي والداني يعترف اليوم بأن قوات الأمن تخلت عن سياسة "الاحتواء الناعم" في فضّ النزاعات بالمجتمع، وباتت "مداخلاتها متطرفة"، وتبدو كما لو أنها في صدد تعميم رسالة ما، عيينا في الوقوف على فحواها، أو أننا تعامينا عن تفسيرها لمصلحة استمرارنا في الظن أننا نعيش في بلد تسعى مؤسساته المختلفة إلى تعزيز حقوق أفراده وإنسانيتهم وحرياتهم.

سوف نسأل أنفسنا، والحالة كذلك، عن قدسية الحياة البشرية! وعن معنى أن يكون الفرد إنسانا يتمتع بكامل المواطنة في بلد يقول دستوره وقوانينه السارية إن الحريات مكفولة، وإنها ليست منّة من أحد. فمن منح الحق بإزهاق الأرواح؟!

[email protected]