أربع مذكرات سياسية خلال عامين

خلال العامين الأخيرين شهدت عمان إشهار أربع مذكرات سياسية لرؤساء وزارات سابقين جاءت على التوالي؛ في خدمة العهدين للدكتور فايز الطراونة؛ وسيرة مروية على لسان السيدة نوزاد الساطي زوجة الأمير المرحوم زيد بن شاكر اختارت لها عنوانا «من السلاح الى الانفتاح» ومذكرات رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران «القرار» احد ابرز شخصيات حقبة السبعينات والثمانينات في المملكة الثالثة وعهد الملك الراحل الحسين بن طلال، واخرها مذكرات الأستاذ طاهر المصري والتي جاءت في جزأين وزادت صفحتها عن ثمانمائة صفحه بقليل. متوقع أن نتابع في المستقبل مزيداً من الشهادات عن تجارب رؤساء الوزارات والشخصيات السياسية من الذين وصلوا لقناعة بأن مرحلة التقاعد السياسي حُسمت وأن خيارات العودة للعمل السياسي تضيق كثيرا، وبالتالي لا بد من نشر مذكراتهم بالرغم من الفتور العام نحوها وملاحظة أن عدم التفاعل معها آخذ في الازدياد لان الناس لديها همومها وهناك احباط عام من النخب السياسية في البلاد. قد يكون هذا الإحباط مبالغ فيه ولكن علينا الاعتراف بوجوده وهذا لا يعني ألا يقدم هؤلاء السياسيين تجربتهم بمعزل عن تقبلها أو الركون للسرديات الواردة فيها؛ علينا الا ننسى أن بعضهم كان حاضراً في المملكتين الثالثة والرابعة وممن كان شاهداً على قرارات ومفاصل تاريخية تركت أثرها في مستقبل الدولة ولابد من اجلاء الحقيقة للناس وللتاريخ. اختار رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري عنوان مذكراته «الحقيقة بيضاء» مستلاً هذا العنوان من قصيدة الشاعر الكبير محمود درويش الى شاعر شاب « الحقيقة بيضاء فاكتب عليها بحبر الغراب والحقيقة سوداء فاكتب عليها بضوء السراب “،تحظى شخصية المصري بتقدير واحترام على الساحة الأردنية والفلسطينية لاعتبارات مرتبطة أولاً بشخصية المصري ولطفه وتهذيبه وطريقته في الحوار الهادئ وباعتباره ثانياً أهم شخصية تمثل النخبة الأردنية من أصول فلسطينية وخصوصاً من العائلات التي كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع الحكم الهاشمي تاريخياً . حرص معظم السياسيين في السنوات السابقة على احضار سياسيين ومثقفين لتقديم شهادات في مذكراتهم دون أن ينتبهوا أن حفلات الاشهار ليست موسما للترويج والدفاع عن صاحب المذكرات بمقدار ما هي مساحة مهمة تقدم في شهادات ومقاربات نقدية ايضاً للتجربة وهو ما غاب للأسف عن معظمها ولكنها كانت واضحة في حفل الاشهار الأخير الذي كان أشبه بمحاكمة للنظام السياسي الأردني دون أن يتم توزيع المسؤولية على الجميع فالكل كان شريكاً في صناعة القرار السياسي. اختار المصري شخصيات سياسية مقدرة ومحترمة لتقديم شهادات في مذكراته؛ وراعى أن تكون ممن تشترك وتتطابق معه في الموقف من العديد القضايا على الصعيد المحلي والعربي وخصوصاً القضية الفلسطينية وتتطابق معه في النظرة للدولة الأردنية وفي التوافق شبه التام على المقاربة النقدية للنظام السياسي حتى إن من تابع حفل الاشهار يحاول أن يبحث عن فضيلة واحدة للدولة الأردنية قيلت في حفل الاشهار فلا يجدها في أي من الكلمات وهو ما ستعززه قراءة الكتاب لاحقاً ولعل هذا يطرح بالضرورة السؤال عن علاقة النخب السياسية بمؤسسة الحكم في الأردن وهي بالتأكيد علاقة معقدة وفيها تشابك غريب وعجيب يجعل الأردن فعلا من اغرب البلدان في المنطقة فيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين النظام السياسي ورجالاته. على كل حال؛ دولة طاهر المصري شخصية سياسية محترمة تتقبل النقد بكل سعة صدر، والمؤكد أن مذكراته في غاية الأهمية على ما حملت من معلومات ووقائع ومواقف ومنسوب كبير من النقد والاحساس بحالة الاغتراب السياسي والمظلومية التي عاشها خلال أربعين عاما من انخراطه في الحياة السياسية كما تشير شهادته والحكم هنا متروك للتاريخ ولكن كل هذا يحتاج لقراءة متأنية ويحتاج من الفريق السياسي الذي كان يقف في الموقف الاخر حسب رواية المصري نقاشاً هادئاً ومسؤولاً لعله يوصلنا للحقيقة التي تخدمنا جميعاً.اضافة اعلان