أرقام البطالة المحيرة

يستطيع أي متابع للأرقام الرسمية للبطالة خلال السنوات الثلاث الماضية، ملاحظة أن هذه الأرقام لم تعكس التأثيرات الخارجية، كما تأثير تدفق اللاجئين ومنافستهم للأردنيين على الوظائف. بل وكانت هذه الأرقام تتناقص.اضافة اعلان
لا يوجد تفسير علمي ومنطقي لانخفاض أرقام البطالة إلى ما دون 12 % خلال الربع الثاني من العام الحالي، سوى أن العينة المعتمدة لا تمثل الواقع. ومثلما أنها وجيهة مطالبة وزارة الطاقة والثروة المعدنية بالكشف عن الآلية التي تعتمدها لتسعير المحروقات، كذلك هي الحال بشأن آلية استخراج أرقام البطالة الرسمية، إذ لا نعرف المعايير التي قامت عليها.
على سبيل المثال، إذا نشر أحدهم إعلاناً عن فرص عمل، فإنه يتلقى سيلاً من طلبات التوظيف. وسيقول لك المتقدم للوظيفة إنه يعاني من البطالة منذ أشهر، بما يؤكد الندرة الحقيقية للوظائف بالنسبة للباحثين عن عمل. وسوف يزعم المعتذرون عن قلة الفرص بأن البطالة تعود إلى أن هناك ركوداً أو تشبعاً في التخصصات التي يتخرج منها طلبة الجامعات، بحيث لا تلبي هذه التخصصات حاجات السوق.
احتوت النشرة الصحفية الأخيرة التي أفصحت فيها دائرة الإحصاءات العامة عن معدلات البطالة في الأردن، على فقرة قالت إن عينة الإحصاء شملت 13 ألف أسرة، موزعة على جميع محافظات المملكة، وممثلة للحضر والريف والأقليم. وفي الاستطلاع، تسأل دائرة الإحصاءات الفرد المشارك في العينة: هل بحثت عن عمل خلال الأسابيع الأربعة السابقة (ليوم المقابلة)؟ ولأن هذا الشخص يكون قد يئس من إمكانية العثور على عمل، فإنه يجيب عادة بـ"لا"، وبذلك يخرج من العينة، ولا يدخل في تعداد العاطلين عن العمل.
من الواضح أن السؤال بهذه الطريقة، هو واحد من الأمور التي تخرج كثيرا من اليائسين من الحصول عمل، من أرقام البطالة، وهو ما يصب في صالح الأرقام الرسمية عن انخفاض معدلات الظاهرة.
صحيح أن الإحصاء بهذه الطريقة هو معيار عالمي، لكن الظروف تختلف تماماً في العالم المتقدم. ففي تلك البلدان، تقوم الدولة بدفع مخصصات مالية للعاطلين عن العمل في حال لم تتمكن الجهات المعنية من العثور لهم على وظيفة. فيما هذا غير متاح لدينا كما هو معروف. ولذلك، لن يكون استخدام نفس معايير الإحصاء عادلاً.
وثمة علاقة قوية بين البطالة ومعدلات النمو أيضاً. فإذا كانت مؤشرات الاقتصاد المحلي تشير إلى تباطؤ، فكيف يحدث أن تتراجع معدلات البطالة، بينما يفترض أن تكون العلاقة عكسية وليست طردية؟
طوال فترة برنامج الإصلاح الذي خضع له الاقتصاد الوطني بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي (2012-2015)، كان رقم البطالة السنوي الأعلى هو 12.6 %، وتراجع إلى 11.9 %. فهل كان البرنامج تحفيزياً إلى هذا الحد، حتى أن سوق العمل استوعبت مئات الآلاف من الداخلين الجدد إليها، وتكيفت مع العمالة القادمة من سورية؟! هل كانت شروط هذا البرنامج التي فرضت ضبط النفقات وعدم النمو في الموازنة العامة -بمعنى أنها كانت انكماشية- تعمل حقاً على توفير فرص العمل؟! هل كانت الإجراءات الإصلاحية كاملة وصحية على مدار ثلاث سنوات (أي رفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب)، إلى هذا الحد لتنشيط سوق العمل؟ إذا صح كل ذلك، فإننا نصنع نموذجاً فريداً بلا مثيل، تتوجب دراسته ليستفيد منه العالم بأسره!