أزمة أن يكون المرء رجلا: هل الأمر حقا بهذا السوء؟

توم كروفتون – (كاونتربنش) 30/11/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كان الخطاب الذي ألقاه السيناتور جوش هاولي مؤخرا حول تفكيك مفهوم الرجولة بمثابة دعوة صريحة للعودة إلى العصر الذهبي للذكورة التي وجدت قوتها في هيمنتها على الآخرين، حتى الرجال الآخرين. وباعتباري رجلا يقترب عمره من 50 عاما من التطور الشخصي الذي بدأَته الثورات الثقافية في الستينيات، بعد طفولة نشأت فيها في ضواحي المهاجرين البيض،(1) وخبرة المشاركة عن قرب في مناهضة الحرب، ومناصرة الحقوق المدنية، وتحرير المرأة، والبيئة، فإنني أود الإشارة إلى العيوب العديدة المتعمدة في تصريحاته، وتقديم فهم مختلف تماما لدور الرجال في إخراج مجتمعنا من الجحيم المدمر الذي نصنعه للأنواع الحية عن قصد.

اضافة اعلان

يتحدث السيناتور عن اليسار، أولا كما لو أن اليسار كيان مترابط منظم جيداً، وهو اقتراح سخيف -ليس في ظاهره فحسب، وإنما في تفاصيله أيضاً. فعلى نحو يشبه إلى حد كبير الـ26 كنيسة مسيحية في بلدتي الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 5.000 شخص، والتي تمتلك كل واحدة منها وحدها الإجابة الصحيحة عن سؤال الله، فإن يسار أميركا صغير ومقسّم ومشتت بسبب المعارك العقائدية. وعلى رأس هذه الخلافات يأتي السؤال حول كم من يمين الوسط يمكن دعمه عندما يأتي وقت الانتخابات، في محاولة حل لغز "أفضل الشرين" الشهير.
يقول هاولي: "إن طموح اليسار هو خلق عالم يتجاوز الانتماء -عالم حيث لا يكون المجتمع والثقافة المشتركة، ثقافتنا- مُهمين كثيراً".
من الواضح أن هاولي لا يفهم شيئا عن الدوافع التقدمية/ الليبرالية. إن الحركة التقدمية تدور في الواقع حول الاشتمال، ونسج شبكة حيوية من الثقافة؛ عن تجربة طعام مختلف وملابس وموسيقى وأدب مختلفة؛ وتشكل كل تجربة فصلاً مختلفاً في يوميات متطورة لقصة حياة الفرد؛ في الانفتاح على العالم خارج مدار المرء. ويكون المجتمع النهائي الناتج متعدد الأوجه. وتكون الثقافة المشتركة، مثل كل شيء مشترك، طريقاً ذا اتجاهين على الأقل. هل يمكن أنه يتحدث عن عدم تبني "الآخرين" ثقافته باعتبارها الثقافة الوحيدة الصالحة، ويطلب منهم التخلي عن تقاليدهم لصالح تقاليده الصحيحة بشكل فريد؟
ثم يكشف السناتور عن مكمن خوفه الحقيقي: "أريد أن أتحدث معكم عن محاولة اليسار منحنا عالما يتجاوز الرجال."
وتستند أطروحته التالية بالكامل على هذه الفرضية، وهي خاطئة لثلاثة أسباب في هذا البيان وحده.
أولاً، ليس هناك يسار يعطينا أي شيء. هناك العديد من الأفراد الذين ينظرون إلى مكانهم في عالم متحلل ويريدون تغيير المسار نحو شيء آخر أكثر استدامة، لكنّ هناك الملايين من الرؤى المختلفة لما يعنيه ذلك، ومعظمها لا ترتقي فوق تحيزاتهم الشخصية لتذهب بعيدًا بما يكفي لإنقاذ نظامنا البيئي من سلوكنا الجماعي المدمر للذات. لقد تم احتواء اليسار في أميركا ليكون ظلاً مهمشاً لنفسه. وتنشأ حركات لحظية حول بعض القضايا، لكنها سرعان ما تتضاءل من دون أن تتمكن من تطوير كتلة حرجة. لقد غُرست خرافات الفرد بعمق في النفس الأميركية بحيث أصبحت تحول دون العمل الجماعي الذي يمكن أن يستمر وينمو ويتحول إلى أكثر من مجرد أفعال مؤقتة.
ثانيًا، يتألف العالم الذي يتحدث عنه هاولي من عدة ملايين من الأنواع، والتي داستها وسحقت معظمَها فكرته عن ما يعنيه كون المرء رجلاً، والتي ربما لا تدعم فكرة أي أحد عن معنى الذكورة في المستقبل الذي يحاول جاهداً أن يحميه. إن افتراضه أن العالم سيستمر كما هو إذا تمكن هو من النجاح يكمن في أصل المشكلة. ونظرته إلى العالم مسؤولة بشكل كبير عن تدمير المجتمعات التقليدية القابلة للاستدامة حيث يتولى رجاله الذكوريون السلطة.
ثالثًا، يستخدم الرجال الذين يقلق هاولي بشأنهم نسبة صغيرة جدًا من قدرتهم على إدراك مكانهم في الكون، وهو يحشرهم في قصة خيالية تاريخية عن ماهية دور الرجل، والمستندة جزئياً إلى ترجمات رديئة للكتابات القديمة. في الحقيقة، قيل للرجل الذكوري الذي يُفترض أنه مُنح ميزة "الهيمنة" على الأجناس والأنواع الأخرى أن يكون الراعي، والزوج، وأن يعيل أولئك الذين لديهم قدرة أقل على تدبُّر أمورهم بمفردهم. وكان الذي ألقى بجزئية الهيمنة هناك هم بعض الرجال الذكوريون الذين لم يكن لديهم اهتمام بالعمل الشاق المتمثل في إدارة، ورعاية، وفهم الاعتماد المتبادل وتعالق شبكة الحياة على هذا الكوكب. ويعتمد الأمل في تحويل وجهة الدمار البيئي الجامح على فهم متجدد للاعتماد المتبادل بين جميع أشكال الحياة، والأفعال المتعمدة المطلوبة للحد من تأثير المرء على الأنواع الأخرى، وليس الهيمنة عليها.
ثم يضيف هاولي بعض التوجيهات الخاطئة:
"بينما نتحدث، يتحكم اليسار في المرتفعات القيادية للمجتمع الأميركي. لديهم البيت الأبيض، ومجلس النواب، ومجلس الشيوخ. وأصواتهم تسود في وسائل الإعلام، وفي هوليوود، ويمكن القول في الرياضة، وبالطبع في جامعاتنا".
لقد اشترت الشركات الأميركية الحكومة الأميركية وتدفع رواتبها فعلياً، ولا يوجد يساريون في الحكومة، ولم تتغير سياسات البيت الأبيض كثيرًا من حيث الجوهر على مدار الخمسين عامًا الماضية، وتتراوح وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسية بين يمين الوسط وأقصى اليمين. ويتذكر عدد قليل من نجوم الرياضة جذورهم الفقيرة، لكن معظمهم يعيشون في عالم يصعب على معجبيهم حتى أن يحلموا به. والجامعات عبارة عن حقيبة مختلطة مع عناصر مؤيدة للإمبريالية فيها كلها. وتنتشر آلة الحرب عن قصد في كل منطقة وينحني لها أكثر السياسيين والمؤسسات ليبرالية على أساس يومي. أي يسار هو الذي تتحدث عنه أيها السيناتور؟ وماذا تقصد بالسيطرة على المرتفعات؟ هل تنحني آلة الدعاية التي يديرها المجمع الصناعي العسكري للشيوعيين؟
ثم يقتبس السناتور هاولي من ألكساندر أوكاسيو-كورتيز ويستخدم الإسقاط ليقول أن الحقيقة لا يمكن أن تكون صحيحة لأنها هي التي قالتها:
"… إن أميركا هي دولة عنصرية منهجياً، وقمعية بنيويًا، وذات طابع أبوي بشكل ميؤوس منه. إنها ديستوبيا، إذا استيقظ الأميركيون بما يكفي ليروها. إنها أمة تحتاج إلى تعليمها إلى أي مدى هي ظالمة حقاً وبعد ذلك إعادة بنائها من أعلى إلى أسفل".
كانت الخطيئة الأصلية لبلدنا هي التظاهر بأننا ديمقراطية، بينما نحن نبني نظامًا أعطى الرجال- البيض- الذكوريين- ذوي- الأملاك القدرة على حرمان غالبية السكان بعد طرد السكان الأصليين للقارة. وقد فاقمنا ذلك من خلال السماح للشركات بأن تكون أناساً من دون مسؤولية تجاه الناس الحقيقيين، وتتحكم في الحكومة بسبب جشعها ونفوذها، بينما نذهب "نحن الشعب" إلى الجحيم.
لو كانت لدينا بضعة قرون أخرى لتصحيح الأمر، فيمكننا القول: عفوًا، سوف نعمل على هذا، لكننا لا نفعل، وكل هذا يحتاج بالتأكيد إلى الإصلاح الآن. ولعل الجزء الرائع هو أن لدينا الكلمات المكتوبة في كتبنا الدينية المقدسة والعلمانية للتعامل مع إخفاقاتنا، لكنك إذا كنت تتظاهر بأننا نحتاج فقط للعودة إلى شيء لم يعمل جيدًا من قبل، فعندئذ ستكون أنت المشكلة. نحن بحاجة إلى أن تتجسد تلك الكلمات والأفكار المقدسة بشكل كامل، في ولادة جديدة لكل ما نعتقد أننا نكونه.
أن نقول إننا استثنائيون، مدينة مشرقة على تل، منارة لكل الآخرين، هو أن نعيش في دعاية كاريكاتورية محرجة في سذاجتها. يحاول السناتور استخدام مثال رونالد ريغان؛ يحتاج المرء فقط إلى إلقاء نظرة على سجله الحافل ليرى كيف نجحت خططه الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية. دعونا لا ننسى، من بين قائمة طويلة من الإجراءات غير الديمقراطية وغير القانونية، العرض الجانبي للكوكايين الذي تم جلبه إلى البلاد لدفع ثمن قتل الناس في أميركا الوسطى بعد استخدام الكونغرس سلطاته المتكافئة ليقول لا.
يستخدم السناتور جزءاً من خطابه ليدعم عودة الإنتاج الأميركي دعماً للطبقة العاملة التي تضررت بشدة من العولمة. هذه قضية يمكننا أن نتفق عليها جميعًا، ولكن، تماماً مثلما خاض الرئيس السابق حملته الانتخابية على الأفكار الشعبوية، هل يمكننا أن نتوقع من السناتور أن يغير فعلًا تصرفات أصدقائه في الشركات؟
في الواقع، تسارع الضرر الذي لحق بالطبقة العاملة في العقود القليلة الماضية على يد الديمقراطيين من يمين الوسط بقيادة كلينتون وإلغاء اتفاقية غلاس-ستيغال واتفاقيات التجارة الدولية. ولم يتورط في هذا أي يساري. وتمت مفاقمة الضرر من خلال "إصلاح" ضرائب الشركات الذي بدأه اليمين. هل ستلغي أيًا من ذلك أيها السيناتور؟
أما أجزاء الخطاب التي يشكو فيها السيناتور من عدم قدرة الرجال على السيطرة على النساء بعد الآن فمثيرة للشفقة في أحسن الأحوال. لقد تطورت حركة "العزوبية اللاإرادية" (2) بأكملها وفقًا لهذه الخطوط وهي تحتاج إلى قدر من الاهتمام أكثر مما يمكن إعطاؤه لها هنا. بالنسبة لأولئك منا الذين نشأوا خلال الثورة الجنسية التي كانت تسير بالتوازي مع حركات التغيير الاجتماعي العظيمة الأخرى، يمكننا أن نتفق جميعًا على أن التشوش والارتباك كانا جزءًا من علاقاتنا الاجتماعية والمهنية. لقد تخلص الكثيرون منا من النماذج التقليدية القائمة على الأسرة التي تعلمناها عندما كنا أطفالًا، فقط لنعود إليها في وقت لاحق من الحياة حيث كانت الساعات البيولوجية تدق. وقد بدأت العديد من النساء مؤسساتهن المهنية الخاصة عندما لم يستطعن اختراق الأسقف الزجاجية في الشركات التقليدية. ويتأرجح البندول في كلا الاتجاهين ولم يستقر بعد. وبعد آلاف السنين من السلوك والتطور البطيء، حاولنا إحداث قفزة كبيرة وسريعة في السلوك الواعي. وحقق ذلك نجاحًا متباينًا، لكن هذا ليس سببًا للتخلي عن المزيد من المحاولات للتغيير المتعمد من أجل تحقيق مجتمع أكثر إنصافًا.
الحقيقة الأساسية هي أن جميع العلاقات سياسية، وأن الهيمنة والسلبية مقياسان نضع جميعاً أنفسنا عليهما في أي موقف معين. والهدف الليبرالي/ التقدمي هو إيجاد التوازن من خلال الاتفاق، حيث نقوم بتقليل الحاجة إلى أن نكون عدوانيين لتحقيق أهدافنا، وحيث نتفاوض بشأن الاختلافات بحسن نية.
يخدش السناتور نقطة حكة ينبغي فهمها. وأساس هذه الحكة هو الرغبة في أن تكون في موقع السلطة، وأن يكون هناك شخص تحتك حتى تشعر بأنك فيحال أفضل. وكانت الحرب الأهلية ملحمة وطنية لتجسيد هذا السلوك. كان البيض الفقراء، الذين ليست لهم أي مصلحة اقتصادية في الحرب، هم قوات الصدمة للطبقة الأرستقراطية، وكانوا يمشون حفاة الأقدام إلى المعركة ويأكلون الذرة الخضراء من الحقول عندما كانت الإمدادات شحيحة، لأن ذلك يجعلهم أفضل في الترتيب الاجتماعي من السود، والله يعلم أنكَ لا تريد أن تكون واحداً منهم.
دعونا لا نكتب تكملة للقصة.
بدلاً من إخبارنا برأيك، ماذا عن بدء حوار صادق حيث نحاول أن نفهم بعضنا البعض؟ قد تكون لدينا اهتمامات مشتركة أكثر مما تعرف.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Crisis of Being a Man: Is It Really That Bad?

هوامش المترجم:
(1) يشير مصطلح هجرة البيض أو نزوح البيض white-flight إلى هجرة ذوي البشرة البيضاء على نطاق واسع وبشكل مفاجئ أو تدريجي من مناطق زاد فيها التنوع العرقي أو العرقي الثقافي. وبدءًا من خمسينيات وستينيات القرن العشرين، شاع استخدام هذا المصطلح في الولايات المتحدة. أشارت هجرة البيض إلى الهجرة واسعة النطاق لذوي الأصول الأوروبية المتنوعة من المناطق الحضرية المختلطة عرقيًا إلى الضواحي المتجانسة عرقيًا والمناطق المحيطة بها. واستُخدم هذا المصطلح مؤخرًا للإشارة إلى أنواع أخرى من هجرة البيض، كالهجرة من الضواحي القديمة والداخلية إلى المناطق الريفية، ومن الشمال الشرقي والغرب الأوسط للولايات المتحدة نحوَ الجنوب الشرقي والجنوب الغربي حيث المناخ أكثر اعتدالًا. واستُخدم مصطلح "هجرة البيض" أيضًا للإشارة إلى هجرة البيض واسعة النطاق من أفريقيا أو أجزاء منها بعد إنهاء الاستعمار، نتيجة المستويات المرتفعة من الجرائم العنيفة وسياسات الدول المناهضة للاستعمار.
(2) العزوبة غير الطوعية أو "إنسل"، بالإنجليزية Involuntary celibates اختصاراً Incel هو مصطلح يشير إلى الأشخاص الذين أصبحوا عُزاباً رغماً عنهم ذكورا كانوا أو إناثاً، إمّا لأنهم لا يجدون شخصا آخر جذاباً أو لأنه لا يمكنهم أن يجذبوا شخصا لممارسة الجنس معه أو الدخول في علاقة غرامية. وقام التعريف على أنه كل شخص لا يستطيع الدخول في علاقة غرامية أو جنسية لمدة تزيد ستة أشهر كاملة شرط أن يتجاوز عمر الشخص 21 سنة. وكثيراً ما يكون الفرد من مجتمع "الإنسل" في غاية الإحباط مع حالته، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والغضب. وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي إلى حالات من الاغتصاب أو غيره من أشكال الاعتداء الجنسي، وبالنسبة للنساء قد يؤدي ذلك إلى ممارسة نشاطات جنسية مقابل المال كتعاطي البغاء أو غيره.