أزمة الأردن في ملف الأقصى

تقتحم القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى، ليلة الأربعاء، وتعتقل وتستبيح، وكأن الحرم القدسي لها، او تحت إدارتها، وقبل كل هذا تغلق بوابات الحرم، وتفتحها، وتحاول تهويد الحرم وما حوله وحواليه، سعيا لبناء كنس جديدة، او تقاسم الحرم جغرافيا وزمنيا.اضافة اعلان
ازمة الحرم القدسي، ازمة مركبة وحساسة جدا، اذ ان الحرم تحت رعاية الأردن ووصايته وحمايته، وهو يواجه هذه المهمة سياسيا، بشكل صعب جدا.
العرب ذاتهم يريدون ان يحمل الأردن المهمة وحيدا، حتى اذا وقع أي خطر في الحرم القدسي، او ضد الأقصى، حمّلوه على اكتاف الأردن وحيدا، واذا طلب الأردن وقفة من العرب والمسلمين، جاء منهم من يقترح ان على الأردن ان يتخلى عن هذه المهمة اذا كانت صعبة عليه، والا يبقى هذا الملف أردنيا ما دام غير قادر على تحمله.
هذا يعني اننا امام مأزق كبير، لان العرب ذاتهم لا يريدون ان يتدخلوا في ملف القدس، ويتذرعون بوجود دور أردني، وفي الوقت ذاته، أي محاولة عربية لجعل الوصاية على الحرم القدسي عربية وليست أردنية، غايتها ليست حماية الأقصى بقدر عزل الأردن واخراجه من هذا الملف كليا.
نحن اليوم نواجه محنة كبرى في الحرم القدسي، وكل الاتصالات الأردنية والضغوطات التي تمارسها عمان عبر علاقاتها مع واشنطن والعلاقات الدولية لوقف إسرائيل عند حدها فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، قد تؤدي الى نتائج إيجابية في حالات محددة، لكننا نرى اليوم كيف ان إسرائيل تتوسع في تدخلها داخل الحرم القدسي، عبر الاقتحامات البشعة وملاحقة المصلين واغلاق بوابات الحرم، او فتحها، وطمس الملامح الإسلامية، والسعي لاقامة كنس فوق احاطة الحرم القدسي بعشرات الكنس اليهودية التي يتم بناؤها.
لولا الثلة المرابطة في الحرم القدسي لواجهنا وضعا اكثر تعقيدا، لأنه بدون المقدسيين تحديدا، وأبناء مدينة الخليل الذين يعيشون في القدس، لانفردت إسرائيل كليا بالحرم القدسي، ولأكملت مخططها في تقسيم الحرم القدسي مثلما فعلت في الحرم الابراهيمي في الخليل عبر التقاسم الجغرافي او الزمني، لكن الحرم في كل الحالات ليس مفتوحا لمزاج الإسرائيليين، وهم يحاولون بكل الطرق تهويد الموقع، وتهديد اهل القدس عموما عبر العقوبات وسحب الهويات ومنع العمل، والسجن، والملاحقة، من أجل عزل سوار الحماية الشعبي، وجعل المسجد الأقصى وحيدا في هذا المشهد الخطير جدا.
لقد آن الأوان ان يتنبه الأردن الى خطورة تركه وحيدا في هذه المواجهة، تحت عنوان ان هذه المهمة هي مسؤوليته، إذ هناك خشية من بقاء الأردن وحيدا وتحمله المسؤولية منفردا، في حال وقعت أي كارثة.
لهذا لا بد من تحرك أردني، يتجاوز اصدار البيانات، او اجراء الاتصالات، ومن الممكن تحميل العرب والمسلمين مسؤوليتهم عبر قمة تونس المقبلة، او أي شكل من اشكال التحرك الدولي، على ان يقود الأردن الحملة عربيا ودوليا ضد سياسات إسرائيل في الحرم القدسي، وبحيث يكون الأردن رأس هذه الحملة التي من الممكن ان تتمدد الى عواصم الاتحاد الأوروبي، ودول كثيرة في العالم، من اجل وقف عبث إسرائيل في الحرم القدسي، وهذا المسعى لن يضر الأردن، ما دام هو الذي يدير هذا التحرك.
بدون ذلك، سيتعرض الحرم القدسي والمسجد الأقصى الى اخطار كبرى، وسيتم تحميل الأردن المسؤولية، وحيدا، كون هذا الملف ملفه، وكون كل الأطراف تتوارى بعيدا وتقول ان هذا الملف مسؤولية أردنية، فيما للأسف أي تحرك عربي بشأن المسجد الأقصى، يعبر في حالات كثيرة، عن رغبة عواصم عربية بعزل الأردن عن هذا الملف واخراجه.