"أزمة الإخوان".. ما قبلها وما بعدها

تتجاوز الأزمة الجديدة في "إخوان" مصر الإطار الحالي لها، المرتبط بعزل المتحدث باسم الجماعة محمد منتصر، ومعه قيادات إخوانية، عبر الجناح المحافظ بقيادة نائب المرشد العام المختفي محمود عزت. أي إنّها ليست فقط صراع أجنحة!اضافة اعلان
وتتجاوز الأزمة، كذلك، الصيغة التي تقدّم بها عبر الإعلام بوصفها صدام أجيال؛ بين جيل الشباب الذي يؤمن بالخط الثوري المتصاعد، أو ما يسميه البعض "استراتيجية العقاب"، والخط المحافظ الذي يخشى من الوصول مرّة أخرى إلى "العسكرة"!
الدلالة الحقيقية للأزمة الراهنة في مصر، لا تنفصل عن أزمة "الإخوان" المتدحرجة في الأردن، ولا عن انشطار الجماعة في الجزائر، ولا الخلافات الداخلية في اليمن؛ هي أزمة عميقة تمسّ مشروع الجماعة نفسه، وتصورها لأهدافها ودورها السياسي وعملية النقد الذاتي الداخلية، أو بعبارة أخرى هي صراع بين تيار "الجمود على الموجود"، وتيار التجديد الذي يدفع إلى مراجعة جذرية للمشروع والاستراتيجيات والأدوات والأهداف، ويريد أن يقتحم "الخطوط الحمراء" الوهمية ويؤسس لمرحلة جديدة بالكلية تستفيد من الأخطاء، أو بعبارة ألطف التجارب الفاشلة السابقة للجماعة، بخاصة في مرحلة "الربيع العربي" وتداعيات الانقلاب العسكري في مصر!
لو أخذنا ما يحدث في "إخوان" مصر، حالياً، فأين هو التيار المعتدل والتيار المتشدد؟ فخطّ الشباب يصرّ على المنحى الثوري التصاعدي، الذي قد يصل إلى درجة من درجات العنف، بينما الجيل الكبير في الجماعة، الموسوم بالمحافظ، هو من يريد الإبقاء على الخط السلمي الإصلاحي، مع الحفاظ بالطبع على سلطته وصلاحياته. لكن أين الخط الإصلاحي الحقيقي البراغماتي المسيّس، الذي يمتلك القراءة السياسية الواعية العقلانية التي كان يمكن أن تجنب الجماعة كثيراً مما حدث؟ إنّه خارج أسوار التنظيم؛ غادر اختياراً أو اضطراراً، بعدما أصرّ التيار المحافظ على الإمساك بالقيادة ومفاصلها.
معضلة الإخوان المسلمين اليوم تتمثّل في الإصرار على تقديس كل ما جاء به حسن البنا، من أيديولوجيا وهياكل واستراتيجيات وحتى تكتيكات، وهذا غير ممكن. فإذا كان الإسلام يحتاج في كل مائة عام إلى من يجدد فهمه وإدراكه لدى المسلمين، فكيف بمشروع بشري دعوي جاء في لحظة زمنية معينة وعاش لما يقرب من 85 عاماً، على القواعد نفسها؛ ألم يأن الأوان لمراجعته ومناقشته وتجديده؟!
ما يحدث في مصر مهم جداً لإخوان الأردن؛ فالجماعة في الأردن تعيش اليوم أزمة عميقة، ربما أكبر من الأزمة المصرية، على الصعيد الداخلي، وبعدما خرجت من رحمها مبادرة "زمزم" والجمعية القانونية الجديدة. وهناك للمرة الأولى في تاريخها تهديد حقيقي جدّي لوجودها القانوني؛ فهي اليوم مهددة بخسارة روادها وقياداتها المعتدلة البراغماتية وخيرة شبابها الذين يمثلون الوجه السياسي والثقافي لها، بسبب عجز في القيادة والرؤية، ومحدودية في التفكير، لدى المجموعة التي تقودها اليوم!
على الطرف الآخر، من الضروري أن تتحلّى قيادات مبادرة الإنقاذ بالجرأة في ترسيم مشروعها السياسي الجديد، فهذه القيادات تملك شروطاً مهمة للنجاح، لم تكن متوافرة على هذا النحو الكبير في التجارب السابقة التي خرجت من رحم الجماعة؛ مثل الاستقلالية والمصداقية والسمعة الجيدة، وتحتوي على شخصيات مقبولة شعبياً من مختلف شرائح المجتمع، وجيل من الشباب المثقف المتنوّر، والانفتاح على النقد الذاتي والتفكير في التجارب الناجحة والفاشلة في تجربة الإسلام السياسي نفسه، وبصورة خاصة التجربة التركية، حزب العدالة والتنمية، التي خرجت من مربع "الإسلام السياسي" نفسه وأعادت هيكلة شعاراتها وأولوياتها وتفكيرها لتصبح ذات أبعاد وطنية وسياسية، وهو أحد أهم مفاتيح النجاح في التجربة التركية التي يتغنّى بها الإسلاميون العرب، لكنهم يخشون من المضي فيها!