أزمة البيت الخليجي وإعادة تدوير أزمات الإقليم

أزمة جديدة تنفجر في البيت العربي المتداعي أصلا. هي ليست الأزمة الأولى وربما لن تكون الأخيرة، لكنها أزمة تستحوذ اليوم على اهتمام وجدل واستقطابات واسعة، ربما لارتباطها بمنطقة البيت الداخلي للخليج العربي الذي بقي إشعال الأزمات فيه والتعرض لاستقرار حكوماته خطا أحمر، دوليا وغربيا بصورة أساسية، قبل أن تنقلب المعادلات والحسابات كما يبدو.اضافة اعلان
عبر عقود مضت لم تكن دول الخليج العربي ببعيدة عن أزمات المنطقة العربية والشرق أوسطية، تأثيرا وتأثرا، لكنها ومنذ اندلاع أولى شرارات الربيع العربي قبل ست سنوات، ودخول المنطقة في حروب الاستقطابات، باتت، وبصورة أساسية قطر والسعودية والى حد ما الامارات العربية، لاعبا اساسيا وفاعلا في عدد من هذه الازمات، وامتدت مجالاتها الحيوية – ان جازت هذه المقاربة- الى مديات واسعة، طالت الدول العربية الكبرى، كالعراق وسورية ومصر، وبعض الصغرى كليبيا واليمن، وبالتداخل مع صراعات النفوذ مع القوى الاقليمية الكبرى في ايران وتركيا.
النفوذ المالي والاعلامي والسياسي الكبير لهذه البؤرة من العالم، والرغبة السياسية في أخذ دور رئيسي في خريطة النفوذ والمصالح، اضافة الى اشتداد الصراع مع ايران وتركيا على ترسيم خريطة الشرق الاوسط الجديد ما بعد مرحلة "الربيع العربي"، كل ذلك دفع السعودية وقطر اساسا، الى تغيير قواعد اللعبة على مستوى الاقليم، تحالفا في بعض المناطق والمراحل، وتنافرا في مناطق ومراحل أخرى، لكن نار الخلافات وتعارض المصالح والمقاربات السياسية والاستراتيجية بقيت بعيدة عن الامتداد والاشتعال في الحضن الخليجي الداخلي.
ما يجري اليوم من ازمة عاصفة بين السعودية والامارات العربية والبحرين ومصر مع قطر، يعكس احد الارتدادات الرئيسية لآثار الاشتباك الخليجي العميق بأزمات الاقليم وصراعاته، واتساع مجالات النفوذ خلال سنوات الربيع العربي، والتي سقط فيها العديد من الرهانات والاهداف رغم ما ضخ من طاقات واموال وجهود، خاصة بعد ان انتقلت دائرة التأثير الرئيسية في ازمات الاقليم، تحديدا في سورية، من الاقليمية الى الدولية اثر تسونامي التدخل الروسي العسكري والاستراتيجي قبل نحو عامين.
تنضاف الى العوامل الاقليمية والدولية في خلفية الأزمة الخليجية مجموعة عوامل داخلية وبينية ليس هنا مكان نقاشها، لكن كل ذلك كان يتراكم تحت رماد علاقات السلام البارد بين الاشقاء، الى أن حان أوان الانفجار، والذي جاء مفاجئا بقوته وارتداداته على قطر، ليتجاوز الهدف –كما يبدو- مرحلة تقليم الاظافر، كما في ازمات سابقة، الى مرحلة الدفع لاستدارات جوهرية في سياسة هذه الدولة التي كانت الاحرص دائما خلال السنوات الست الاخيرة على اللعب بقوة في ملاعب الكبار، اقليميا ودوليا!
ورغم توالي المواقف الدولية المتباينة تجاه الصراع الذي تسارع خلال ايام قليلة في البيت الخليجي، فان تواصل الازمة وتسارعها يفتح الباب اوسع لدخول اطراف اقليمية، ايرانية وتركية اساسا، ودولية بقوة على خط الأزمة، خاصة اذا ما تعثرت جهود رأب الصدع التي تقودها الكويت واطراف اخرى، ما ينذر حقا بتسخين اجواء المنطقة كما حصل في ازمة احتلال الكويت العام 1990.     
ما يجري في الخليج العربي اليوم من ازمة تتوالى ارتداداتها وفصولها على غير صعيد تصب في المحصلة في التغييرات الاستراتيجية التي ضربت هذه المنطقة من العالم خلال العقد الأخير، وهي ازمة لا يتوقع لها ان تستقر الا على تغييرات جوهرية يمكن تلمس بعض ملامحها، لكن لا يمكن تحديد مدياتها ومآلاتها النهائية.
 وتعزز الازمة الحالية فرضية ترابط وتداخل ازمات الاقليم بقوة، ما يعيد طرح ضرورة البحث عن حلول ومقاربات دولية واقليمية لنزع فتيل كل هذه الازمات التي تعصف بالاقليم وتتركه على فوهة بركان لا تكاد تخمد إحدى ازماته حتى تشتعل أخرى، أكبر وأخطر!