أزمة التعليم العالي

متأخرة جداً بدأت وزارة التعليم العالي وضع آليات تنظيم قطاع التعليم العالي. لكن المهم أنها بدأت. والأهم أن ينتهي جهدها تكريساً لإجراءات توقف التدهور. فتطبيق معايير جادة تضبط نوعية المنتج التعليمي بات ضرورة سيلحق أي تقاعس في تنفيذه ضرراً فادحاً بالبلد.

اضافة اعلان

 ذلك أنه تم خلال السنوات الماضية إغراق سوق العمل بخريجين من جامعات إقليمية ودولية ذات مستوى أكاديمي متدنٍ. ووجد خريجو هذه الجامعات، نتيجة الاعتراف غير المبرر لوزارة التعليم العالي بشهاداتهم، طريقهم إلى العمل في مؤسسات عامة انعكس ضعف تأهيلهم سلبياً على أدائها.

 وزاد الطين بلة طغيان المصالح التجارية على بعض المؤسسات التعليمية التي لم تلتفت إلى نوعية المنتج طالما استمر تدفق الربح. ومنحت جامعات طلبة شهادات جامعية لكنها لم تقدم لهم تعليما يؤهلهم لحملها. وصار من يدخل هذه الجامعات يخرج بشهادة إذا سدد الرسوم الجامعية. صحيح أن وزارة التعليم العالي وضعت معايير لضبط عمل الجامعات. لكنها لم تفعّل أدوات الرقابة لضمان التزام هذه المعايير.

رافق هذا القصور انحدار في مستوى التعليم العالي سببه اكتظاظ الجامعات الرسمية وضعف تمويلها وعدم التزام معايير قبول معقولة. ولأن مستوى التعليم الأساسي كان أصلاً تراجع، لم يعد مستوى نسبة عالية من خريجي الجامعات الأردنية منافساً.

ثمة أزمة حقيقية في العملية التعليمية. وهذه أزمة تترك آثاراً خطرة على كل قطاعات العمل التي يلتحق بها الخريجون غير المؤهلين.

 لا شك أن وزارة التعليم العالي تدرك درجة الخطر. وهذا يفسر إطلاقها برنامجاً إصلاحياً يستهدف الحد من التدهور في مستوى الخريجين. لكن تطبيق هذا البرنامج يواجه مقاومة شديدة من أصحاب مصالح ويتعرض لضغوط سياسية واجتماعية.

مصلحة البلد تستوجب أن تقاوم الوزارة هذه الضغوط وأن تخضع برنامجها لمراجعة علمية تقوّم قدرته على كبح التراجع في العملية التعليمية. وهنالك حاجة ماسة أيضا لإعادة النظر بمعايير الاعتراف بالجامعات الأجنبية بما يضمن عدم قبول الشهادات الممنوحة من جامعات لا تطبق المعايير الأكاديمية المقبولة عالمياً.

لا مكان لسياسة الاسترضاء في العملية التعليمية. فللاسترضاء إغواؤه الآني. لكن آثاره على المجتمع على المدى البعيد دمارية. والبلد ما يزال يعاني تبعات سياسات الاسترضاء في مناحٍ عديدة. إضافة التعليم العالي الى قائمة ضحايا سياسات الاسترضاء خطيئة تهدد آثارها سوية كل القطاعات التي ينضم اليها حملة الشهادات غير المستحقة.