أزمة "الصبة الخضرا"

مالك العثامنة كل حديثنا عن الإصلاح السياسي والإداري "والرؤية الاقتصادية" ليس إلا مثل "صبة خضرا" نتناوب جدلا على حراستها باستمرار. فلنوضح أكثر: في الأردن، إما أن ترى التحولات عميقة جدا فتتعاظم عندك القدرة على فهم "بحذر" تضاربات المشهد ضمن رؤية تحولات عميقة، فتتخلى عن قياسات السطح التي بالضرورة أصبحت سطحية، أو تراقب المشهد ضمن ذات مستوى الرؤية العادي ضمن اعتقاد "وهو اعتقاد مشروع" أن التحولات عادية وفي سياقها الطبيعي، فتتعاظم عندك الشكوك ضمن رؤية نقدية قد تلامس تذمر الناس اليومي والمعيشي. فلنتفق أولا، أن أي قياسات في التحليل يجب ألا تخرج عن سياقها الإقليمي، فالأردن ليس جزيرة معزولة، بل إن جغرافيته السياسية هي إشكاليته الحقيقية في تكوينه كدولة مضطرة للتشابك مع محيطها كله، وبمنسوب حساسية أكثر من أي دولة في ذلك الشرق البائس والمتخم بالأزمات، وهو ما يضع الأردن "بالضرورة" على الحافة في كل مفترق طرق إقليمي. ولنتفق ثانيا، أن الدولة الأردنية منهكة، وقد انسحبت من دورها المؤسساتي "المحمي بالقانون" لصالح جماعات مصالح ونفوذ "معقدة التركيب"، صارت بحد ذاتها طبقة نخبوية "غير متجانسة"، وتؤثر في القرار! طبعا، من البديهيات التي لا يمكن إغفالها، ويجب التذكير بها، وتذكرها باستمرار، أن الأردن فقير، هذا واقعه وليس وصفا يدني من منزلته، هو فقير لا ثروات طبيعية لديه (الفوسفات ثروة طبيعية، وغير كافية بكل الأحوال)، وفقير مائيا، والمياه تحديدا عقدة الأردن الأزلية وصرخته الصحراوية المدوية. أما قصة "الثروة الإنسانية" فهذا متغير تتحكم به صعودا أو هبوطا أحوال الدولة وسياساتها وحضورها الذي يمنح الرعاية لتلك الثروة، التي لا يمكن أن تكون ذات قيمة، بدون المعرفة والعلوم والوعي البعيد عن الدجل والغيبوبة الفكرية. يمكن لنا أن نخوض جدلا لا ينتهي بجدية الإصلاح "بكل مستوياته".. لكن، في أي جدل "أردني" فإن آخر ما يحتاجه الأردنيون هو الجدل الشعبوي الذي سيستمر بإنتاج فقاعات الهواء على صيغة نخب سياسية أو فكرية، وكل ذلك على حساب العقل والوعي بالمرحلة "الانتقالية" العميقة وحساسيتها، وهذه "الشعبويات" ذات الصوت المرتفع والجعجعة بلا طحن، ستسمح بالمقابل لقوى الوضع الراهن من نخب فاسدة تشابكت مصالحها المتعددة في خطف مؤسسات الدولة بالتمدد، لتستفيد من كل الرداءة في المشهد السياسي مستخدمة خطاب "العقلانية" لتمرير الحشو البلاغي بلا قيمة حقيقية، وبذلك تبقى الدولة - بمفهومها المؤسساتي والدستوري السليم" كاملة الصحة والع افية"- مثل "الضمير الغائب" في أي جملة سياسية مطروحة على الطاولة. هناك فعليا ما يمكن البناء عليه، كان موجودا دوما وما يزال حاضرا على الرف وقد غيبته صراعات مراكز القوى، وأعني هنا الدولة والدستور والقانون. والإصلاح يتطلب حوارا، نعم، لكن الإصلاح أيضا يحتاج إلى تراتبية واضحة في بناء فكرته. خريطة طريق واضحة تتجاوز الإنشاء والمقالات التي لا تصلح إلا لتكون سلالم تسلق وظيفية امام الملك. والإصلاح، يتطلب إزاحة التشوهات البارزة جدا للعودة إلى الشكل الأصلي للدولة. والإصلاح.. في الدولة يتطلب حضور مؤسسات الدولة في مكانها الطبيعي والدستوري. الصبة الخضراء لم تعد كذلك، وهي جاهزة منذ زمن طويل لأي بناء ممكن فوقها. المقال السابق للكاتب  تداعيات على عتبة العام الجديداضافة اعلان