أزمة الصين الخاصة بسوء التواصل

زانغ جون*

شنغهاي- قال أندرو شانغ في منتدى عقد في كانبيرا في العام الماضي " تتمتع الصين بالشفافية ولكن فقط بالمعنى الصيني". لقد أثار هذا القول عاصفة من الضحك بين اولئك الذين يعتقدون إن عملية إتخاذ القرار في الصين تتسم بالغموض ولكن كان الضاحكون يدركون بإن كلام شانغ كان صحيحا؛ ففي الفترة التي تسبق إتخاذ قرار رئيسي يتعلق بالسياسات في الصين فإن اإفتتاحيات الصحف بأقلام مسؤولين رفيعي المستوى في صحف رئيسية والتقارير والبيانات الختامية من المنتديات والإجتماعات الرسمية عادة ما تحمل دلائل على ما سوف يحدث حيث يتوجب على المرء أن يعرف كيف يقرأها.اضافة اعلان
لكن القول أسهل من الفعل على الأقل بالنسبة للصحافة الأجنبية علما أن محاولات تلك الصحافة الحثيثة لتوقع تحركات السياسة الصينية عادة ما تؤدي للشعور بالإحباط وحتى لبروز إتهامات بأن صناعة القرار في الصين هي سرية ولا يمكن التنبؤ بها. إن هذا يبدو جليا اليوم في المناقشات المتعلقة بسعر الصرف في الصين.
لقد فسر العديد من المستثمرين التخفيض غير المتوقع للعملة الصينية بنسبة 1،9 % مقابل الدولار الأميركي – وهو أول إنخفاض بعد سنوات من الارتفاع الثابت – كمحاولة أخيرة من قبل  بنك الشعب الصيني لتجنب الإنهيار الإقتصادي. وعليه فلقد إفترضوا أن هذا هو فقط البداية لتخفيض مطول لقيمة العملة مبني على أساس السياسات ونتيجة لذلك جاءت موجة من المستثمرين الذين باعوا العملة الصينية وأشعلوا التقلبات في سعر الصرف ودفعوا لزيادة كبيرة في تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.
لكن في واقع الأمر فإن الصين ليست على وشك الوقوع في أزمة عملات على الإطلاق فنظرا لإن هذا النشاط يحدث في سوق(الأوفشور) الخاص بالعملة الصينية وهو سوق صغير الحجم ولديه روابط محدودة فقط بالنظام المالي الصيني – نتيجة تردد الصين في تحرير الأسواق المالية وتحويل حسابات رؤوس الأموال – فإن الوضع يبقى تحت السيطرة. إذا أضفنا لذلك عناصر القوة الأخرى في الصين – ناتج محلي إجمالي سنوي يزيد على 10 تريليون دولار أمريكي ومعدل نمو أعلى بأربع نقاط مئوية على الأقل من المعدل العالمي و 3 تريليون دولار أمريكي من إحتياطات العملات الأجنبية ومعدل إدخار يصل لما نسبته 40 % من الناتج المحلي الإجمالي وفائض تجاري ضخم- فإن من غير المرجح على الإطلاق حصول أزمة في سعر الصرف.
لكن هذا لا يعني أنه لا توجد مخاطر ، بل على العكس من ذلك فالصين لديها مصلحة قوية بالحد من التقلبات ونظرا للدور المركزي الذي تلعبه الصين في الإقتصاد العالمي فإن لبقية العالم مصلحة كذلك. إن المفتاح هو أن يحدث توافق بين الأسواق وصناع السياسات .
لقد كانت القيادة الصينية صريحة لغاية الآن عن خططها حيث أعلنت بإن التخفيض الجوهري للعملة الصينية ليس جزءا من خطتها ونظرا للقوة الدائمة للوضع الإقتصادي الصيني فإن كلامهم يجب أن يأخذ ظاهريا.
لقد أظهر صناع السياسة الصينيون كذلك إلتزام واضح بالتقليل من التدخل الحكومي والترويج لنهج مبني على أساس السوق فيما يتعلق بتحديد أسعار الفائدة والصرف ولقد حققت السلطات الصينية وخاصة في بنك الشعب الصيني تقدما كبيرا من أجل تحقيق ذلك.
وفي واقع الأمر فلقد رافق تخفيض العملة في أغسطس الماضي الإعلان عن آليه مبنية بشكل كبير على السوق من أجل تحديد سعر الصرف للعملة الصينية في السوق بين البنوك حيث يبنى معدل التحديد اليومي على سعر الإغلاق لليوم الذي سبقه . إن هذه الخطوة والتي تعد خطوة مهمة في عملية التدويل كانت تعد شرطا مسبقا من أجل إضافة العملة الصينية لسلة العملات التي تحدد قيمة إصول إحتياطي صندوق النقد الدولي أي حقوق السحب الخاصة .
لكن حتى عندما حاولت الصين خلق نظام مبني على السوق بشكل أكبر ويمكن الإعتماد عليه بشكل أكبر ، كانت إستجابة المستثمرين مشوهه حيث طفت على السطح توقعات غير صحيحة بتخفيض كبير ومستمر مما أشعل المضاربة في الأسواق العالمية . إن المحاولة التالية للإدارة الحكومية للصرف الأجنبي في الصين من أجل تهدئة التوقعات عن طريق الإعلان بإنه سوف يتم تسعير العملة الصينية مقابل سلة عملات غير محددة عوضا عن الدولار الأمريكي فقط فشلت في إقناعهم . لقد إستمرت الصفقات القصيرة بالنسبة للأوفشور مما وضع العملة الصينية تحت ضغط متزايد.
إن مما لا شك فيه إنه كان يتوجب على الصين شرح سياستها الجديدة لسعر الصرف بطريقة اكثر وضوحا وهي نقطة أعترف فيها فانج شينجاي نائب رئيس مفوضية تنظيم الأوراق المالية الصينية ولكن هذا لا يعني أن السلطات الصينية وخاصة بنك الشعب الصيني كانت تتوخى السرية أو الغموض في عملية إتخاذ القرار فالمشكلة الحقيقية كما ذكر شينغ هو الإختلاف في أسلوب التواصل .
بعد الإقرار بسوء التواصل هذا ، عمل بنك الشعب الصيني بهمة ونشاط من أجل منع المزيد من سوء الفهم وذلك عن طريق تصميم سياسات لحماية إستقرار سعر الصرف بينما في الوقت نفسه التحقق من عدم إعطاء أي إشارة بوجود نية للتخفيف النقدي وحتى مع المصاعب الموجودة فإن بنك الشعب الصيني يرفض تخفيض معدل إحتياطي الودائع من أجل الإفراج عن السيولة في تحدي لتوقعات السوق.
يقوم بنك الشعب الصيني عوضا عن ذلك بإستخدام أدوات تنظيمية غير تقليدية مثل عمليات السيولة قصيرة المدى وتسهيلات الإقراض الدائمة وإتفاقيات إعادة الشراء العكسية من أجل تعزيز عرض النقود مما دفع بسعر إعادة الشراء إلى أدنى سعر له منذ 10 سنوات وعلى الرغم من الضغوطات على بنك الشعب الصيني من قبل المضاربين بالخارج فإن هذا البنك ما يزال ملتزم بإستقرار سعر الصرف مع تحقيق تقدم في أهدافه المبنية على أساس السوق حيث يتوجب على المستثمرين أن يلاحظوا ذلك.
يواجه القادة الصينيون الكثير من التحديات علما أن تحسين التواصل مع الأسواق يمكن أن يساعد في التغلب على تلك التحديات ولحسن الحظ يبدو أن القادة الصينيين يدركون هذا الموضوع المهم ويعملون على تحقيقه ولكن مهما يكن من الأمر فإن من المنطقي أن يتساءل المرء ما إذا كان التزام صناع السياسة الصينيين بالتحرير المالي وتدويل العملة سوف يتضاءل حيث نأمل أن لا يحدث ذلك.

* أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية في جامعة فيودان.
 خاص بـ"الغد" بالتعاون مع "بروجيكت سنديكت"