أزمة كورونا تحل بالتضامن .. وعلى الأمم أن تعي الدرس

1
1

مراد آكصوي - (أحوال تركية) 21/3/2020

ما تزال أزمة فيروس كورونا مستمرة في التأثير على حياتنا، خاصة بعد أن تحوَّل ذلك الوباء الذي بدأ انتشاره في الصين في الأيام الأخيرة من العام 2019 إلى جائحة، مع انتشاره في جميع دول العالم تقريباً اعتباراً من الأشهر الأولى من العام 2020.
وقد اتخذت تركيا، كغيرها من دول العالم الأخرى، بعض التدابير للتصدي لهذا الفيروس، وأدى ارتفاع الأعداد المصابة بفيروس كورونا، التي وصلت حتى 20 آذار (مارس) إلى 670 حالة، بالإضافة إلى وفاة 9 أشخاص، إلى تزايد القلق والخشية من تزايد سرعة تفشي هذا الوباء في تركيا على نطاق أوسع.
السؤال الآن: ما مدى تأثير هذا الوباء على تركيا والإنسانية جمعاء؟ وما هي الدروس والعبر التي يجب أن نستقيها من هذه الأزمة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، أجرينا الحوار التالي مع البروفيسور مليح بولوت.


اضافة اعلان

سؤال: لقد ذكّرتنا هذه الأزمة مرة أخرى بأهمية الصحة، أليس كذلك؟

  • يؤسفني القول إنّ قطاع الصحة لم يكن منذ سنوات طويلة، وربما عبر التاريخ كله، قطاعاً استراتيجياً -ليس في تركيا فقط، بل وربما في معظم دول العالم كذلك. وقد تيقن الجميع من صحة هذا الافتراض في الوقت الحاضر. الحقيقة التي ربما تغيب عن الكثيرين، هي أن الاهتمام بالصحة هو الأساس لكل شيء؛ فمن دون الصحة، لا يكون للقيم التي بين يديك أي معنى. رأينا كيف يمكن لفيروس صغير أن يقلب كل مكتسبات الأمم رأساً على عقب، تماماً مثلما تفعل موجات تسونامي.
    ومع ذلك، يقتضي منّا الحديث في هذا المقام أن نذكر أيضًا أن الأموال المخصصة للصحة في جميع أنحاء العالم قد تجاوزت في العام 2019 مبلغ 8 تريليون دولار. وهذا الرقم يتجاوز الميزانية المخصصة لقطاع الغذاء والزراعة. ومع ذلك، فإن الأهمية التي توليها مؤسسات الدولة والمجتمع بأسره في تركيا، على سبيل المثال، للصناعات الدفاعية هي أكثر بكثير من اهتمامهما بقطاع الصحة والعاملين في هذا القطاع المهم؛ ولذلك، لم يكن مستغرباً أن نعيش أبشع مثال على خطأ ذلك في العالم كله.

سؤال: كيف ذلك؟

  • لسوء الحظ، يتعرض العاملون في قطاع الصحة في تركيا الذين يقدمون خدمة الرعاية الصحية، للمخاطر كل يوم. وفي رأيي أن هذا الوباء قد عاد علينا بالنفع في هذه النقطة تحديدًا؛ لأنه كشف مدى الاهتمام الحقيقي الذي توليه الدولة والمجتمع وجميع الأفراد في تركيا للعاملين في هذا القطاع.

سؤال: وماذا عن تقييمك لتعامل تركيا مع هذه الأزمة؟

  • لا شك أن وزارة الصحة قد أفادت كثيراً من هذه الأزمة في تشكيل مجلس علمي مكوَّن من أسماء لها ثقلها العلمي؛ ومن أجل التصدي لهذا الوباء، تؤخذ توصياته أساساً للتحرك، فيما يخص هذا الأمر. لقد نجح وزير الصحة التركي في تغيير الواقع برمته، واكتسب ثقة الشعب، وهو أمر مهم للغاية في مثل هذه الظروف الصعبة؛ ويتعين على المسؤولين أن يستمروا في إطلاع الشعب التركي على المعلومات الصحيحة؛ نظرًا لأن الفيروس ينتشر بسرعة كبيرة، من الطبيعي أن يزداد عدد الأشخاص المصابين بشكل كبير أيضًا. وأمر كهذا يستوجب أن تكون ردود أفعالنا سريعة كذلك.

سؤال: هل تعتقد أن المنظومة الصحية في تركيا مؤهلة بشكل كافٍ للتعامل مع هذه الأزمة؟

  • لدينا الأخصائيون والمستشفيات التي يمكن أن تشكل قوةً كبيرةً في قطاعنا الصحي من أجل التصدي لفيروس كورونا (كوفيد- 19)، ما لم ترتفع نسبة الإصابات بشكل لا يمكن تحمله. وهنا تقع على عاتق الشعب التركي مسؤوليات أكبر. ويمكن أن نلخص هذه المسؤوليات بسهولة في الإصغاء إلى التعليمات الصادرة عن المؤسسات المختصة، وعدم الانسياق للرعب والفزع مهما كانت الظروف، والامتثال إلى القرارات التي تتخذها الدولة في هذا الصدد، وعدم تحميل القطاع الصحي مسؤولية مشكلات يمكن تأجيلها، وإظهار الاهتمام الكافي تجاه الأطقم الطبية العاملة. ودعوني أؤكد هنا أن البشرية لم تنج من أي وباء واجهها من قبل إلا بالوحدة والتضامن.

سؤال: هل كان هذا الفيروس متوقعاً، أم أنه تم ابتكاره وخلقه لهدف آخر؟

  • كانت هناك تنبؤات منذ سنوات بتفشي وباء مشابه ﻟ(كوفيد 19) الذي نعاني منه اليوم، بل إن جلسات منتدى دافوس الأخير تناولت هذه القضية أيضاً. ومع ذلك، لم يول قادة الدول الكثير من الاهتمام الاكفي ااحتمال وقوع هذه الأزمة أو ما يشبهها. إن معرفة بعض الحقائق عن أزمة مثل أزمة المناخ لا يعني بالضرورة التسليم بوقوعها، أو أننا سنتخذ التدابير اللازمة حيالها بسهولة. وكانت النتيجة أننا وجدنا أنفسنا الآن مجبرين على اتخاذ قرارات مصيرية بسبب فيروس صغير للغاية.
    سؤال: ما الذي سيتغير في حياتنا بعد انتهاء أزمة هذا الوباء؟
  • من المؤكد أن هذا الوباء سيترك أثارًا عميقةً على جميع القطاعات في تركيا. لهذا السبب، يجب علينا، في الوقت الحالي، أن نراقب انتشار هذا الوباء عن كثب، ونراقب كذلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة له، ليس في ما يتعلق بصحتنا نحن فحسب، وإنما أيضًا بالحفاظ على مستقبل مهننا ومؤسساتنا.

سؤال: ما هو تأثير الفيروس على الاقتصاد التركي؟

  • لا شك أن الاقتصاد كان المتضرر الرئيس من انتشار هذا الفيروس، لدرجة يمكن معها القول إنه ترك تأثيرًا مدمراً مسبقاً على الاقتصاد؛ فالأسواق اليوم تشهد ذعرًا غير مسبوق، بل ويمكن القول إن فيروس كورونا المستجد قد دقّ المسمار الأخير في نعش الليبرالية الجديدة. وفي رأيي، حان الوقت كي نحلم باقتصاد شمولي مترابط، يبدأ بمؤشرات حقيقية مثل أرقام النمو.

سؤال: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

  • سوف يتقدم إلى الأمام القادة الذين يدركون حتمية التغير في هذه المرحلة، والذين لديهم القدرة على إعداد أنفسهم ومؤسساتهم ومجتمعهم. وفي المقابل سوف يتوارى الآخرون عن المشهد التاريخي بسرعة كبيرة. ستكون هذه الأزمة فرصة للدول والمؤسسات التي استوعبت العلم، ووضعته في بؤرة آليات اتخاذ القرار.

سؤال: في رأيك، ما هو الدرس الذي نتعلمه كدولة من هذه الأزمة؟

  • على الرغم مما يحيط بنا من أزمات، من انتشار لوباء كورونا حالياً، إلى الحروب التي تخوضها تركيا، والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، وأزمة اللاجئين، فإنه يتعين على الذين وهبوا حياتهم للعلم أن يجتهدوا، وأن يعملوا أكثر من أي قت مضى، وأن يكونوا منتجين ومتنوعين.
    لقد ثَبُتَ على وجه اليقين أن المؤسسات والهياكل التي لا تستطيع أن تواكب التغيير الذي أحدثته الثورة العلمية والحياة المتسارعة في كافة المجالات، لن يُكتب لها البقاء لفترة طويلة. يتعيَّن علينا أن نستمر في أبحاثنا العلمية، وأن نشرح الحقائق العلمية بإدراك سليم للأوضاع التي آل إليها مجتمعنا، بعيداً عن العنف والأخبار الكاذبة المضللة، وأن لا نُقصي أحدًا عن المشاركة في تنمية المجتمع. يجب أن تكون سفينتنا صلبة قوية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى تتمكن بسهولة من مقاومة الرياح العاتية التي تواجهها، والتي قد تتسبب في حدوث أمواج تسونامي متعاقبة.

*كاتب وإعلامي تركي