أزمة كورونا والتضامن العربي

لم يكن النظام والتعاون العربي في أحسن أحواله قبل اندلاع جائحة الكورونا ولكن الأزمة الحالية كشفت حجم الضعف في هذا النظام وتراجع التضامن والعمل الجماعي العربي إلى أدنى مستوياته. النظام العربي في السنوات الماضية كان في أضعف حالاته ومزقته الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية والأزمات الاقتصادية وظهرت الأحلاف الثنائية والمتعددة وانكفأت الدول الفاعلة إلى الداخل لتهتم بمشاكلها الداخلية وأزماتها الاقتصادية. أما الجامعة العربية فقد أصبحت مؤسسة بيروقراطية عاجزة عن التعاطي مع أي قضية من القضايا العامة لبلاد العرب.اضافة اعلان
لقد فاقمت أزمة كورونا من أزمة العمل العربي المشترك حيث أن الدول العربية وفي معرض استجابتها لهذا الوباء شديد الخطورة، اضطرت لاتخاذ إجراءات على المستوى الوطني لحماية نفسها ومواطنيها كإغلاق الحدود ووضع حركة السفر وركزت على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة هذا الوباء داخليًا وهذا مفهوم لدرجة ما. ولكن بعد مرور أكثر من شهرين على انتشار هذا الوباء لم نلاحظ أي جهود مشتركة أو أي شكل من أشكال التضامن العربي الرسمي أو حتى من القطاعات الأهلية والقطاع الخاص إلا بحدوده الوطنية ولم يظهر لدينا بيل غيتس عربي أو ما شابه ذلك.
إننا قد نتفهم هذا الانكفاء إلى الداخل في المراحل الأولى لانتشار هذا الوباء الخطير وذلك لأن هناك مسؤولية على الدول لحماية مواطنيها واقتصادها لكن من غير المفهوم أن يستمر هذا التوجه وهذا المنهج في التعامل مع تداعيات الأزمة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وذلك لعدة أسباب منها.
أولا: أن التعامل مع الأزمة الصحية وتباعتها تتطلب تنسيقًا عابرًا للحدود سواء من قبيل التنسيق بعد فتح الحدود أو تبادل الخبرات سيما وأن هناك عمالة مهاجرة عربية موجودة في أغلب الدول العربية وضرورة تكامل الجهود في بناء القدرات الطبية والصحية الضرورية للمستقبل وعلى المستوى العربي.
ثانيًا: أن أزمة كورونا سوف تترك آثارا اقتصادية كبيرة تطال كل الدول العربية وبسبب حجم الاستثمارات العربية وحجم التجارة البينية والعمالة والأسواق فلا يمكن أن تستطيع أي دولة منفردة التعامل مع هذه التداعيات الاقتصادية لوحدها، سيما أن أغلب الدول العالمية الفاعلة ستكون مشغولة بتعافي اقتصادياتها الوطنية، فهذه فرصة وضرورة للعمل الاقتصادي العربي المشترك.
ثالثًا: هناك إجماع بأن النظام العالمي يمر في مرحلة تحول سوف تسارع أزمة كورونا في ديناميكياتها وأن هناك تحولًا محتملًا لظهور نظام عالمي جديد لتتحول به مراكز الثقل من الغرب إلى الشرق وسوف يكون العالم العربي في قبل هذه التحولات والتي لا يمكن مواجهتها من قبل الدول بشكل منفرد. لذلك، لا بد من التفكير الإستراتيجي الجماعي لتحديد سياسة جماعية عربية تمكن الدول العربية في الدفاع عن مصالحها المشتركة ومحاولة حجز مقعد بالنظام العالمي يليق بالعرب وإمكانياتهم.
رابعًا: كل التجارب العالمية تشير إلى أنه من غير الممكن للدول أن تتقدم اقتصاديًا وأن تزدهر في ظل غياب الاستقرار السياسي غير الموجود في المنطقة العربية سواء كان ذلك بسبب الصراعات الداخلية أو البينية. قد تشكل هذه الأزمة فرصة لإجراء تسويات سياسية كبرى للنزاعات الداخلية العربية لأكثر من سبب منها إنشغال العالم بمشاكله وخاصة الدول الإقليمية التي كان لتدخلها بالشأن العربي آثار مباشرة على أداء هذه الصراعات، سوف تكون مشغولة بمشاكلها ولن تكون قادرة على التدخل في الشؤون العربية كما كانت تفعل بالسابق.
إن أزمة كورونا تشكل فرصة تاريخية لإحياء روح التعاون والتضامن العربي للتعامل مع التداعيات الإنسانية والاقتصادية والسياسية لهذه الأزمة على المستويين العالمي والعربي، إن العمل العربي المشترك لم يعد شعارًا عاطفيًا بل ضرورة مُلحّة لتجاوز هذه الأزمة وتلبية طموحات الإنسان العربي. لكن هذا يتطلب تطوير مبادرة عربية تقوم بنبذ الخلافات السياسية وتسوية الصراعات الداخلية والتركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة والاستفادة من الطاقات البشرية المذهلة والإمكانيات الاقتصادية للولوج إلى عالم عربي يعمه الاستقرار والرخاء. فهل من يعلّق الجرس؟