أسئلة الهوية والمقاومة بفيلم "رجل بلا موبايل"

مشهد من فيلم "رجل بلا موبايل" - (أرشيفية)
مشهد من فيلم "رجل بلا موبايل" - (أرشيفية)

عمان- يحمل الفيلم الفلسطيني "رجل بلا موبايل" للمخرج سامح الزعبي رسالة تقارب بين جيلين؛ الأول يمثله الأب المتجذرة أقدامه في الأرض ويخوض صراع البقاء، والثاني جيل الشباب الذي انخرط في إغراءات الحياة الإسرائيلية ويحتاج إلى فهم أعمق لجذوره لتفادي ضياع الهوية.اضافة اعلان
وعرض الفيلم الروائي الطويل (115 دقيقة) مساء الخميس الماضي في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وتم تصويره في قرية "إكسال" قرب مدينة الناصرة، ويرصد واقع أهالي القرية ويسجل يوميات الفلسطينيين تحت هيمنة الاحتلال من خلال مواقف كوميدية سوداء في مواجهة توتر سياسي يعايشونه.
ويطرح الفيلم، الذي أنتج العام 2011 وحاز الجائزة الذهبية لأفضل فيلم شرق أوسطي في مهرجان مونبلييه الفرنسي مؤخرا وشارك في عشرين مهرجانا دوليا، علاقة الإنسان الفلسطيني بجذوره التاريخية لتكون بوصلة التقدم ومواجهة المستقبل بشخصية قوية وجذور متماسكة.
ويبرز الزعبي، في عمله السينمائي، حياة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر من خلال الكوميديا العفوية، مركزا على أن جذور الأرض فلسطينية وما هو طارئ يبقى طارئا، ويرسل رسالة للعالم أن الإنسان الفلسطيني يحب الحياة والعائلة، وله طموحات كبيرة كبقية الشعوب.
وحسب الزعبي، فإن سر نجاح الفيلم أنه يفسح المجال للناس، وبخاصة خارج فلسطين، ليروا الواقع ويتفهموه رغم أن أحداثه تقع داخل قرية بالداخل الفلسطيني، حيث تتجول الكاميرا في شوارعها وتدخل بعض بيوتها وتسجل أن أهلها لم يتغيروا ولم ينجرفوا وراء المغريات الإسرائيلية حتى ينسوا هويتهم وموروثهم الحضاري والثقافي، فبيوتهم ما تزال رغم سنوات الاحتلال عربية بمفروشاتها وأثاثها وزينتها.
ويشير الزعبي إلى أن شخصياته واقعية تتحدث باللهجة الفلسطينية المحكية، وليس هدفه الإضحاك كما ورد في عدة مواقف كوميدية، لكن الكوميديا، حسب الزعبي، تحدث الكثير من التفاعل وتوصل القضية المراد طرحها، وهي الحقوق التاريخية والكرامة بطريقة سلسة.
ويبدأ فيلم "رجل بلا موبايل" أول مشاهده في حقل للزيتون الذي يبقى عنوانا ورمزا للوطن والهوية، وفي ذلك رسالة إلى المشاهد لتذكيره بوطن الأجداد والآباء، وهو يطرح سؤال أهالي القرية: لماذا أطلقوا علينا عرب إسرائيل وحرمونا من هويتنا الأصيلة؟!
ويشير "رجل بلا موبايل"، من خلال قصة حب بين البطل "جودت" وفتاة فلسطينية، إلى الإخاء الإسلامي المسيحي الذي تحاول إسرائيل خلخلته لزرع الفتنة، ويطرح جودت حلا بسيطا عندما سألته عائلة الحبيبة بقولها "نحن مسيحيون وأنت مسلم" ليجيب "أن الحب ليست له حدود، كل واحد يبقى على دينه وننجب ولدين: الأول مسلم، والثاني مسيحي".
ومن خلال المباشرة والرموز بالفيلم، تسير رؤية مخرجه نحو هدفها ببساطة وهو يقتحم قضايا جانبية كعلاقة الشباب العرب بالفتيات اليهوديات اللواتي يفضلنهم ولا يخفن منهم، ممّا يعطي انطباعا غير ما نعرفه عن نفور وريبة، وبالذات عقب التفجيرات الاستشهادية.
ومن الرموز، التي يمكن ملاحظتها، قيام الأب "سالم" بتأنيب جاره على تأجير أرضه لشركة التليفونات الإسرائيلية لتقيم عليها برجا للاتصالات الخلوية، ورغم أن ظاهر القضية، التي يطرحها سالم، أن البرج يصدر إشعاعات تؤدي للإصابة بالسرطان، غير أن في جوهرها تمردا على الأمر الواقع ورفض تأجير الأرض لمغتصب.
وهنا يتساءل أهالي قرية "إكسال" الذين وحّدهم خطر إقامة برج الاتصالات "لماذا يقيمون البرج على أرض عربية؟ هناك مستوطنة قريبة، فلماذا لا يقيمونه في مسافة متساوية بين القرية والمستوطنة حتى يقتسم العرب واليهود بالتساوي الأشعة التي تسبب السرطان؟".
ويقوم الأهالي بتحرك احتجاجي ضد شركة الاتصالات ويطالبون بالعدالة وهدم البرج، لتعود قضية مصادرة الأراضي للواجهة (يأخذون أراضينا بغير إذن)، وينظمون حملة تواقيع لإزالة البرج تحت شعارات "الأشعة أسوأ من الكحول"، و"الكاميرات تراقبنا"، و"مزروعاتنا لم تعد صحية".
ووفق الأحداث، تحضر الشرطة الإسرائيلية بالنظارات السوداء والأسلحة الأتوماتيكية لفض الاجتماع الاحتجاجي قرب برج الاتصالات وتطلب إخلاء المكان فورا، لكن المعتصمين يردون بزراعة أشجار الزيتون كتذكير بهوية الأرض، وتوصي إحدى الأمهات ولدها بقولها "لا تيأس".
ولا يخلو الفيلم من نماذج المقاومة، فأثناء زراعة أشجار الزيتون نصب الأهالي خراطيم المياه لسقايتها، لكنها وجهت لرجال الشرطة الذين يحرسون البرج، مما اضطرهم للانسحاب مذعورين.
أما بطل الفيلم "جودت" المتعثر في دراسته بالجامعة العبرية ورسوبه المتواصل في اللغة العبرية، فقد أعطى المشاهد انطباعا أنه ليس غبيا أو كسولا، لكنه حاول الإيحاء بأنه يرفض بطريقته "عبرنة" الأرض وهذا مغزى سياسي، ولم يستمع لحبيبته التي يريد خطبتها عندما قالت له "عندما تنجح باللغة العبرية".
وفي حواره مع الحضور، أكد الزعبي أن الفيلم يحرض على رفض الأمر الواقع والتحرك بلغة سينمائية تحكي عن الأرض وتركز على المبادئ المستندة إلى جذورنا التاريخية، وتوضح كيف يعيش الفلسطينيون من وجهة نظر ثانية. -(الجزيرة نت)