أسئلة ما بعد "القنيطرة"

رغم نوعية القتلى اللبنانيين والإيرانيين في الهجوم الإسرائيلي الأخير في منطقة القنيطرة السورية، إلا أن إسرائيل حرصت، من خلال التسريبات الإعلامية المبكرة على الأقل، على تأكيد دور "الصدفة" المحضة في حصد هذه العملية -التي أريد تصويرها بأنها "أقرب إلى الروتينية"- كل هذا العدد من قيادات حزب الله والحرس الثوري الإيراني. بل وخلافاً لكل التهويلات المعهودة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد بدت إسرائيل على حافة الاعتذار من إيران بالتأكيد على أنه لم يكن هناك معرفة مسبقة بوجود جنرال إيراني في الموكب المستهدف. فيما المنطق يفترض أن تلعب إسرائيل على وتر السؤال (الغريب في طرحه في الواقع) المتعلق بسبب وجود عسكري إيراني رفيع على الحدود السورية-"السورية!".اضافة اعلان
هكذا، يكون السؤال الأول الذي تثيره تلك المواقف التالية للعملية، هو عما تحاول إسرائيل إخفاءه عقب النجاح في تنفيذ هكذا عملية "نوعية". ولعل أوضح الإجابات الممكنة عن ذلك تتمثل في وجود اختراق جديد في صفوف حزب الله، بحجم اختراق مسؤول وحدة العمليات الخارجية للحزب، محمد شوربا، والموقوف منذ ما يقرب من أربعة أشهر، عقب إفشاله مجموعة من العمليات العسكرية.
أما السؤال الأهم فهو عن حقيقة إشعال جبهة الجولان المحتل منذ العام 1967، والذي لوح به بشار الأسد وحزب الله فقط عقب اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
فمعروف للجميع أن سلام أربعة عقود على هذه الجبهة كان قرار نظام الأسد أباً وابناً. والسبب هو صيانة حكم العائلة، كما عبر عن ذلك بشكل جلي وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بتصريحه في شباط (فبراير) 2010، بأن "رسالتنا يجب أن تكون واضحة للأسد: عندما تقع حرب جديدة، لن تخسرها فقط بل ستخسر السلطة أيضا، أنت وعائلتك".
ومن ثم، فإن اتخاذ خطوات جدية من قبل إيران وحزب الله استعدادا لإشعال جبهة الجولان، يثير السؤال عما إذا كان الأسد قد قرر خسارة عرشه؛ طوعاً أو كرها، كونه سيكون فعلاً أول المستهدفين بالانتقام الإسرائيلي، لاسيما أن إسرائيل لم تعد تلتزم منذ الحرب 2006 بقواعد الاشتباك التقليدية المحددة المكان مع حزب الله في لبنان ذاته، فكان أن استهدفت البنية التحتية والمطار في بيروت، وشلت البلد ككل.
وحتى نقيض هذا السيناريو لا يبدو مبشراً لحزب الله؛ والمتمثل في انتصار إيران والحزب في الحرب السورية. إذ إن تهيئة جبهة الجولان يعني اعتقاد الطرفين بأن المرحلة التالية لهكذا انتصار ستكون تدخلاً إسرائيليا ضد الحزب المستنزف، بما يمنع أن تصبح محاطة بالإيرانيين من لبنان وسورية. ولتكون نهاية الحرب السورية، وفق هذا السيناريو، مجرد إعلان البداية لحرب جديدة أوسع وأكبر.
في كل الأحوال، يتجاهل حزب الله في استعداداته على جبهة الجولان الموعودة أن العامل الحاسم في تمكنه من هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان، لم يكن عتاده العسكري ومقاتلوه، بقدر ما كان الحاضنة الشعبية في الجنوب ولبنان والعالمين العربي والإسلامي عموماً يوم كان مقاومة عابرة للطوائف، فيما الحزب اليوم يشارك في قتل السوريين، ويستقبل بحفاوة نوري المالكي الذي يُجمع شيعة العراق، قبل سُنّته، على طائفيته وفساده.