أساتذة الإعلام والسياسة ومهنيّة "الجزيرة"

أصدر مركز عالم المعرفة لاستطلاعات الرأي، في عمّان، مؤخرا دراسة أجراها المركز لاستطلاع رأي أساتذة العلوم السياسية والإعلام العرب "حول مدى مهنية قناة الجزيرة" الفضائية. وربما يكون هذا الاستطلاع غير مسبوق عربيا من حيث الكفاءات العلمية التي تم حشدها لإنجاز البحث، فالاستطلاع تم بفريق مميز من 46 شخصا من الأكاديميين والخبراء في الإحصاء والاستطلاعات، منهم 26 من أساتذة الجامعات من حملة الدكتوراه، واستغرق إنجازه 11 شهرا في 19 دولة عربية، وقد قاس البحث متغيرين، أحدهما موضوعية القناة بمؤشرات الحيادية، والمصداقية، والتوازن، والثاني، متغير الحرفية والقدرات الأدائية والفنيّة. 

اضافة اعلان

مجتمع الدراسة كان 635 أستاذا في السياسة، و616 في الإعلام. وقد تم استقصاء رأي نحو 50% من هؤلاء، أي 307 في السياسة و298 أستاذا في الإعلام. ووجدت الدراسة أنّ 51.9% من الأساتذة المبحوثين حصلوا على الدكتواره من جامعات عربية، و34.6% من جامعات أجنبية، (لم يحدد الباقي جهات تخرجهم)، وكان 28.3% من الجامعات مصرية، بينما تخرج 9.8% من الولايات المتحدة، و9.7% من فرنسا، و6.4% من بريطانيا. وبالمجمل تخرج هؤلاء من 29 دولة بينها 10 عربية و19 أجنبية، وبالنسبة للرتب العلمية، فإنّ 26.1% منهم أساتذة، و15.6% أساتذة مشاركين، و41% أساتذة مساعدين، و17.4% مدرسين، وبالنسبة للجنس فهم 77% ذكورا و23% إناثا.

إذا كان98.4% من العينة يشاهد القناة، فإنّ اللافت أنّ معدل مشاهدتهم للقناة 3.2 ساعة يوميا، وإذا أخذنا بالاعتبار أنّ هؤلاء غالبا يشاهدون قنوات أخرى إضافية، فإننا أمام ظاهرة ملفتة، من حيث الوقت الكبير الذي يقضيه الأساتذة في مشاهدة التلفاز، ما يطرح تساؤلا، عن مدى الوقت الذي يقضيه هؤلاء الأساتذة في البحث والقراءة والكتابة. وإذا ما كانت متابعة الأخبار تبدو مفهومة باعتبارها مصدرا للمعلومات الأولية، وإذا كانت البرامج الإخبارية يتم متابعتها بنسبة 22.3% فإنّ الملاحظ أن برنامجا مثل الاتجاه المعاكس، يأتي في المرتبة الثانية من البرامج الأكثر متابعة بنسبة 20.5%، وهذا برأيي يثير الاستغراب، فالبرنامج بحسب ملاحظتي لا يوجد فيه طابع أكاديمي أو موضوعي، بقدر ما هو برنامج "شعبوي" يعتمد على عرض الآراء الحادة والغريبة، ويستضيف الموافقين والراغبين بعرض مثل هذه الآراء، وكنت أتوقع أنّ الأكاديميين يقضون وقتهم في متابعة شيء مختلف.

وتوضح العينة أنّ "الجزيرة" هي الأكثر مشاهدة بين القنوات الإخبارية، بنسبة 68.7% بين الأساتذة الذين استجابوا تليها العربية 23.6%، ثم قناة النيل الإخبارية 2.4% والمنار 1.7%. والملاحظة أنّ الجنسيّات التي تفوقت فيها قناة "العربية" على "الجزيرة" كانت لدى السعوديين، والعراقيين، وتتساوى القناتان تقريبا بالنسبة للكويتيين.

نسبة المشاهدة الكبيرة لا تعني كما يبدو الإيمان بذات القدر بحيادية القناة، إذ أنّ 37.3% من العينة يعتقد أنّ هناك "جهات ما لها نفوذ يؤثر على مهنية القناة" و"بشكل سلبي"، بالمقابل يرى 23.9% أنّ تدخل هذه الجهات يؤثر بشكل إيجابي على برامج القناة، ويرى 16.7% أنّه لا يوجد تأثير، أي أنّ من لا يرون وجود تأثير أو يرون التأثير إيجابيا تصل نسبتهم إلى 40.6% فيما قال 16.7% إنّهم لا يعرفون إن كان هناك مثل هذه الجهات.

وبالنسبة لتقييم الموضوعية بشكل عام (عدم الانحياز)، فإنه يصعب تقييم موقف المستطلعة اراؤهم بدقة، فبينما رأى 50.1% أن مصداقية القناة عالية جدا، رأى 46% أن مصداقيتها نسبية، وقد أشار تقرير المركز المعد للاستطلاع أنّ 96.1% يرى مصداقية القناة بين العالية جدا والنسبية، وهو برأي معدي الدراسة تقييم إيجابي، خاصة مع ضآلة نسبة من أشاروا لتدني المصداقية (2.6%)، على أنّي لا أعتقد أن كثير من الإعلاميين سيكونون مرتاحين إذا ما قال 46% من جمهورهم، أنّ مصداقيتهم نسبيّة.

وهنا ربما يكون الاقتراح إذا ما أجري الاستطلاع مجددا، تعديل خيارات إجابة هذا السؤال، من (عالية جدا، نسبية، متدنية، لا أعرف)، إلى نمط آخر كإعطاء درجة من (1 إلى 5)، أو (عال جدا، عال، متوسط، متدن، لا أعرف).

والملاحظ أنّ أعلى الجنسيات التي تعتبر مصداقية القناة نسبية هي السعودية (81.8%) مع ملاحظة أن أي سعودي لم يعتبر مصداقية القناة متدنية، ثم الكويتية (71.4%) فيما اعتبر 28.6% من الكويتيين مصداقية القناة متدنية، فيما لم يعتبر أي كويتي المصداقية عالية. وجاءت الأردن في المرتبة الثالثة، من حيث اعتبار أساتذتها مصداقية القناة نسبية (65.4%)، مقابل 34.6% رؤوها عالية، وأي منهم لم يرها متدنية.

على أنّ سؤالا آخر في الاستطلاع يؤكد الانقسام في الآراء، فعند السؤال عن مدى "تقديم القناة لمواد إعلامية تخرج عن مبدأ حرية الرأي إلى التشويه والإساءة"، قال 9.3% إنّ القناة تقدم مثل هذه المواد، بينما قال 37.8% أن القناة تقدم مثل هذه البرامج أحيانا، ولكن 45.6% قالوا إنّها لا تفعل ذلك، أي أنّ نحو 47.15% يرون أنّها تفعل ذلك أحيانا على الأقل.

ويكشف الاستطلاع نقطة لافتة، هي أنّ 56.8% من خريجي الجامعات العربية اعتبروا مصداقية القناة عالية، و39.7% اعتبروها نسبية، مقابل 35.7% من خريجي الجامعات الأجنبية اعتبروها عالية، و60.4% اعتبروها نسبية، ما يعكس تباينا في آراء المجموعتين.

يلاحظ أن 29% من أفراد العينة يرون أن "الجزيرة" تأخذ بالاعتبار احتمالات اعتراض دولة المقر (قطر) في تغطياتها، ورأي 33.8% وجود اعتبارات سياسية أخرى.

من الواضح أنّ نقطة قوة "الجزيرة" الأكبر هي القدرة على الانتقال إلى موقع الحدث، فقد أعرب 91.3% من العينة عن رضاهم عن هذه السرعة، وأعرب 82.5% عن تقييم عال لقدرة القناة على تحقيق السبق الإعلامي، وتراوح التقييم بخصوص الترجمة الفورية ومستوى الصورة الفني، وقدرات المذيعين والمعدين بين (72.6%- 76.9%). وكان الالتزام بالفصحى الأقل تقييما بنسبة 55.1%.

بالمحصلة يقدم مركز "عالم المعرفة لاستطلاعات الرأي" دراسة متميزة، يأمل أن تكون بداية لدراسات أكثر من هذا النوع، في مواضيع مختلفة، وبقدر ما يلقي هذا الاستطلاع الضوء على موقف نخب من الأكاديميين، حول قناة "الجزيرة" التي جاء أداؤها محوريا وتاريخيا في تغيير وجه الإعلام العربي، فإنّه ألقى الضوء على جزء مهم من المجتمع الأكاديمي العربي.

باحث أردني مقيم بالإمارات

[email protected]