أساتذة الجامعات: قوة جديدة

دفعت قضية قرارات مجلس التعليم العالي الأخيرة حول حصر النشر العلمي لأعضاء هيئة التدريس لأغراض الترقية بالمجلات الوطنية الجديدة، نحو سماع صوت كان غائبا وطالما حسب تحت طلب الحكومات على طوال العقود الماضية، وهو صوت أساتذة الجامعات الآخذ في الارتفاع تدريجيا، مؤسسا لقوة اجتماعية جديدة ينتظر أن يكون لها حضورها على الساحة المحلية، ونتطلع أن تكون قوة اجتماعية أكثر عقلانية وتشكل إضافة نوعية للحراك الاجتماعي بأبعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية. تعود قضية المجلات العلمية المحكّمة إلى قرار مجلس التعليم العالي بالاكتفاء بالمجلات العلمية الصادرة عن وزارة التعليم العالي والجامعات، وهي مجلات بدأت بالصدور منذ ثلاث سنوات في موضوعات متخصصة لتحل بالتدريج مكان المجلات التي كانت تصدرها عمادات البحث العلمي في الجامعات وفي مقدمتها "مجلة دراسات" العريقة الصادرة عن الجامعة الأردنية منذ سنوات تأسيسها الأولى.

اضافة اعلان

ويبدو أن مجلس التعليم الحالي قد استعجل هذه الخطوة قبل أن تكتمل ملامح البرنامج الإصلاحي في مجال البحث العلمي، فما تزال المجلات الوطنية المتخصصة محدودة ولا تغطي الحقول العلمية كافة، وبعضها محتكر من ِقبل جامعات محددة، ما يجعل مسألة النشر العلمي المرتبط بالترقيات العلمية لأعضاء هيئة التدريس الهم الأول قبل البحث العلمي بحد ذاته.

ورغم أن الكثيرين في المجتمع الأكاديمي يصطفون في نهاية المطاف إلى جانب خيار إصلاح سياسات البحث العلمي ونقل المعرفة، وفي مقدمتها سياسات النشر والتي من المفترض أن البرنامج الإصلاحي للتعليم العالي يذهب بهذا الاتجاه، إلا أن هناك إدراكا بان القفز السريع في هذا الموضوع بالتحديد، مقابل تباطؤ الإصلاحات في موضوعات أخرى أكثر حيوية يحمل دلالة لحجم تأثير قوى سياسية واجتماعية أخرى في إعاقة برنامج إصلاح التعليم العالي.

تفرز المجتمعات القوى الاجتماعية تعبيرا عن الحيوية والقدرة على التعددية ورفض احتكار القوة في المجال العام، والتعبير بأدوات مدنية سلمية عن التنوع والمطالب، وفيما تنمو القوى الاجتماعية الحية في بيئة صحية لتشكل إضافة نوعية للحياة العامة، فإن ما نحتاجه بالفعل يتمثل في تطوير الوعي الاجتماعي لدى أعضاء المجتمع الأكاديمي الأردني، ليتحولوا بالفعل إلى قوة حيوية في بناء المجتمع والدولة بروح إيجابية حاضرة.

إلى هذا الوقت لا توجد الشروط الإيجابية لتحويل أساتذة الجامعات إلى قوة اجتماعية حاضرة، بل ما هو متوفر لا يمت بصلة إلى احتمالات صعود قوة اجتماعية معافاة.

يعاني المجتمع الأكاديمي من شعور عميق بعدم الإنصاف وأحيانا بالغربة، وهي عقول تفكر تحت وطأة الأزمة وشروطها، وهذه الحالة يعكسها تراجع المستوى المعيشي ووصول هذه الفئة الأكثر حساسية لمستوى أقرب الفئات إلى قوائم الفقراء الجدد.

منذ عقد ونصف لم تتغير رواتب أعضاء هيئات التدريس في معظم الجامعات رغم أن الدنيا حولهم تغيرت مرات ومرات، إلى جانب التعثر المستمر في إصلاح أحوال الجامعات والشعور بعدم الإنصاف في تحقيق ذات داخل أسوار جامعاتهم، نتيجة تدني مستوى الحاكمية والرشد داخل هذه المؤسسات.

[email protected]