"أساطير معاصرة" للحمزة: مخزون ثقافي نابع من حكايات أسطورية شكّلت خلاصة الحكمة الإنسانية

"أساطير معاصرة" للحمزة: مخزون ثقافي نابع من حكايات أسطورية شكّلت خلاصة الحكمة الإنسانية
"أساطير معاصرة" للحمزة: مخزون ثقافي نابع من حكايات أسطورية شكّلت خلاصة الحكمة الإنسانية

فوزي باكير

عمان- تنوعت رسومات الفنان خالد الحمزة بين أساليب الفنان الحداثي والدليل العقلاني للفلسفة العربية، في معرضه الذي أقيم أول من أمس في جاليري "رؤى 32"، إذ شكّل الحمزة في أعماله عالما ثريا من الذاكرة المتنوعة، التي يعود بها للأصل الإنسانيّ البعيد.

اضافة اعلان

ويتناول الحمزة في معرضه الذي جاء بعنوان "أساطير معاصرة" المفردات الفارسية وتصاوير الكهوف والرسوم الإغريقية، فيقدّم أشكالا إيمائية من خلال أشخاص يتحدّون بظلالهم، والتي يعبّر من خلالها عن انفعالاته وحاجته إلى الطّبيعة من خلال الألوان الصّارخة الملفتة، وتدل أعماله على مخزون ثقافي واسع، ينبع من الحكايات الأسطورية العديدة التي شكّلت للعالم خلاصة حكمته الإنسانية.

أعماله الانطباعية التجريدية مليئة بالحركة الرّاقصة، غير المستقرّة، وخليط من ألوان ناريّة ومائيّة، كما عبّر فيها عن مشاهد طبيعية متجانسة، وتميّزت أيضا أعماله بتجنّبه للفراغ فيها، فلا فراغ في أية لوحة، وهذا ما يدلّ على الزّخم الرّوحاني الناتج عن الاضطراب الكونيّ في داخل الفنّان.

واستحضر الحمزة في أعماله تجليات الطبيعة وأبعادها، لم يستحضر الطبيعة كما هي فقط، بل استحضر فِعل الطبيعة، وتغيراتها ونشاطها وحركتها وعدم ثبوتها بمختلف ألوانها، التي تُعبّر عن ثورتها حينا، وعن هدوئها في حين آخر، مُسقطا قلقه الكونيّ الدائم عليها، فيقول "أتفاعل مع كل ما حولي بعمق، كل الأشياء متصلة ببعضها البعض، الطبيعة والإنسان والحيوان والنبات، وأراها كلّها متداخلة ومتعايشة وآخذة من بعضها بعضا بمقادير متنوعة من سماتها، وبالتالي فهي بمجموعها تعكس كينونة كلّية فيها كثير من الإثارة إذا ما حاولنا إعمال الفكر فيها وتفكيك أسرار توافقاتها وتداخلاتها".

وتوضح عالمة الجمال ماريفونا سيسون الأستاذة في جامعة باريس عن لوحات الحمزة رابطة إياها بالبيئة التي يعيش فيها "تشرف بلاد الحضارات القديمة هذه، والتي لا توجد أي علامة على انقطاع أو تبعية فيها، على أفق مفتوح على وادي نهر الأردن. ثم تجد البترا في الجنوب: السيق المهيب، حيث القوى البادية بوضوح في طبقات الصخور، تظهر في الخطوط والألوان، حيث تهيئ الناظر لدخول الساحة شبة المستديرة ولرؤية واجهة الخزنة الجليلة"، وتضيف الباحثة "تأخذني الفكرة، منذ تلك الحضارات الغابرة التي مرت على تلك الأماكن وحتى لمسات هذا المصور التي تجمعها معا حيث يغترف منها قوته ويشكل بها هويته".

لعناوين أعمال الفنان الحمزة دلالات كبيرة على مضامين أعماله والفكر الذي يحمله بخصوص الفن والثقافة الفنية والمجتمع والعلاقات المتداخلة بينها؛ أسماء تجربها النار، كثبان تطل على العشق، زرقة نوافد القصيدة، حلم تائه مع الغزالة، أوسع من رماد الكلمات، سعف على وجه البحر، حديث البحر لسعة الشراع، ظامئ لتفاحة الماء، منطق الشجرة والطير، قناديل للجهات، نزهة للصلصال، بانتظار إجابة النهر، صخب الكائنات، انتظار الدفلى لعسل الغيمة، حب الماء لرائحة الزعتر، مسائلة شرفة الصحراء، أفق الطائر الميت، عباءة الصخور، كليلة ودمنة، بهجة الدلاء في ظلمة البئر، وتؤكد تلك العناوين على تفاعل عميق مع البيئة المحيطة بالفنان وتنم عن حوار صامت فيه شاعرية حميمة مع عناصر الطبيعة.

وتظهر أعمال الفنان وفاءه لأساتذته المباشرين وغير المباشرين العرب والأجانب، ويبدو ذلك في تقديم تحية لبعضهم في أعماله عموما وفي هذا المعرض بشكل خاص الذي يستمر حتى ثلاثة أسابيع.

يشار إلى أنّ الحمزة حاصل على دكتوراه فلسفة في تاريخ الفن والعمارة من جامعة ولاية أوهايو، الولايات المتحدة الأميركية، وهو عميد كلية الفنون الجميلة السابق في جامعة اليرموك. ويعمل الآن أستاذا زائرا في كلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية.

كما أنه مؤسس ورئيس تحرير المجلة الأردنية للفنون، وهي علمية عالمية أكاديمية محكمة تصدر عن وزارة التعليم العالي الأردنية، ألّف وترجم عددا من الكتب ونشر مقالات في مجالات الفن والعمارة والمتاحف العالمية، وحقق عددا من من المشاريع الفنية المنغمسة اجتماعيا وسياسيا مثل "البوابة الغربية"، و"العشاء الأخير".

وشارك الحمزة في ورشات تصوير في الأردن ومصر واليونان وهولندا، كما أقام العديد من المعارض الفردية في بيروت وجدة وعمّان، وشارك في تمثيل الأردن في دبي والدوحة والمنامة، وشارك في أخرى جماعية في عدد من بلدان العالم.