عزيزة علي
عمان- أسامة العيسة، يمضي مصحوبا بأحلامه إلى ما يريد. العزلة والصحراء والبحر، هي أمكنة تحتفي روحه بها، لتعلقها في مناخاتها العاشقة للهدوء والتأمل.
* أي الأمكنة التي تجتاحك رائحتها الآن، وترغب في أن تقضي عزلة مؤقتة فيها؟
أنا أعيش، بشكل عام في عزلة نسبية، ولكن إذا توفرت إمكانية لعزلة مؤقتة، فهناك أكثر من مكان لكلٍ منه رائحته ومذاقه ووجهه، أفضل المكوث فيها، في حيفا وجبل الكرمل مثلا، حيفا هي العشيقة، التي لا يمكن أن ينازعها مكانتها زوجة، أو أية امرأة أخرى، وهذا سِرّها، يافا أيضا لها مكانة خاصة لدي، لا شيء في الدنيا، يساوي لدي، المشي وحيدا على كورنيشها، أو الاستحمام يوميا، وفجرا في بحرها، وأفضل قضاء عزلة طويلة جدا، في غابة في القدس الجديدة، التي أصبحت، بسبب النكبة تسمى القدس الغربية، هي فضاء مفتوح على الحداثة، ورائحة برّ القدس التي لا تقاوم، والتي يمكن تمييزها، من بين كل روائح العوالم التي غزتها، هذ سِرّ القدس، تصنع هويتها، بمعزل عن تدابير البشر، وخططهم.
يمكن أن تكون العزلة في كهف في صحراء البحر الميت، حيث مرّ الانبياء والفاتحون والغزاة، ونُسجت ميثولوجيا دينية، هي الأكثر تأثيرا في وجدان البشرية. هذه الصحراء أسميها مهبط الروح بالنسبة لي، صحراء ليست كأي بقعة في العالم، ربما خُلقت لدنيا غير دنيانا، ووصلت إلى هنا بالخطأ، أجزاء من كونتها جبالها، وحيواناتها، وعيونها، وأزهارها.
هناك عشرات الأودية، والينابيع، التي عشت فعلا عزلتي فيها، ويمكن أن أعيش فيها أية عزلة طويلة أو قصيرة. أنا جوّال في بلادي، أحمل خيمتي، واتوسد أي حجر حنون، وأذهب في غفوة عميقة، أتمنى دائما أن لا أصحو منها. هي مثل الأحلام الجميلة التي لا تقاوم.
* في مثل تلك العزلة، ثمة كتاب تحن إلى قراءته بهدوء، أي الكتب تود مرافقتك هناك؟
أنا عشت بين الكتب وما أزال، الكتب تحيطني في كل مكان، أتمنى لوّ أنني أعيش عزلة بدون كتب، ولأن ذلك سيكون مستحيلا مع قارض كتب مثلي، فأفضل مثلا؛ الكتاب المقدس، أحب العودة إلى حكاياته بين فترة وأخرى، وليس أنسب من العزلة، للعودة إلى أبدع ميثولوجيا أُنتجت في بلادنا، وصُدرت بنجاح إلى العالم، أوّ منتخبات من شعر المتنبي، وابن الفارض، والحلاج.
* في العزلة، نحتاج لصفاء تام. يقال إن الموسيقى تأخذنا إليه، فأي موسيقى تهدهد روحك هناك؟
سأنحاز بدون تردد إلى الموسيقى الكلاسيكية، أية عزلة لي هي مناسبة لقضاء أكبر وقت مع موزارت، وباخ. هذا النوع من الموسيقى هو عزلة روحية وفكرية وفنية.
* ما هي أجمل الصور التي تحب أن تراها في عزلتك؟
لست من عشاق تقليب ألبومات الصور، ولكن إذا كان الأمر إلزاميا أوّ ضروريا، فربما أخذ معي صور العديد من الأصدقاء الذين فقدتهم، خلال سنوات الاحتلال الطويلة، منذ فترة وأنا أفكر بأصدقائي الشهداء، أحيانا أعدهم واحدا واحدا، واستغرب من كل هذا العدد الذي يمكن أن يذهب هكذا، وأفجع لأنه سيأتي وقت لن يذكرهم فيه أحد، فكرت بكتابة سِفر عن رفاقي الشهداء. أحنّ إليهم كثيرا، وأنساهم كثيرا، احتاج إلى عزلة لتقليب صورهم، ولأعيش معهم فترة بدون أن يزعجنا أحد. سأحكي لهم عن أخباري، وأتمنى أن أسمع أخبارهم في عالمهم البعيد.
* ستكون وحيدا، لو جنت العزلة ورفضت بقاءك مع نفسك وكتابك وموسيقاك، فأي الأشخاص تختار أن يكون قريبا منك؟
بالتأكيد في هذه العزلة، لن أختار أصدقائي الذين أقابلهم يوميا في ساحة المهد في بيت لحم، ونتشارك فيما نسميه برلمان الشارع، الأكثر ديمقراطية وصراحة من كل برلمانات العالم، ولن أختار أيا من زملاء الكتابة، ولا أي واحد من أفراد أسرتي، فالعزلة إجازة لي ولهم، من معايشة اليومي.
بصراحة ليس هناك، من أحبذ ان يكون معي في عزلتي، من أحفاد وحفيدات أدم.
* أسامة العيسة روائي فلسطيني، صدرت له مجموعة قصص منها "الحنون الجبلي"، "امرأة العشق المقبل"، وفي مجال الرواية صدر له "المسكوبية"، "قبلة بيت لحم الأخيرة"، "مجانين بيت لحم"، التي حصلت على جائزة الشيخ زايد 2015، يعمل في مجال الصحافة الفلسطينية والعربية، صدرت له عدة كتب أدبية وبحثية في القصة والرواية والآثار وطبيعة فلسطين، أعدّ أبحاثًا لأفلام تسجيلية عن الثقافة والسياسة في فلسطين.
