أسباب ترامب الحقيقية!

تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لإيران ردا على إسقاطها الطائرة المسيرة قبل أيام، قبل عشر دقائق من التنفيذ، بحسب ما أوردت صحف أميركية. هذا التراجع لا يعني أن شبح الحرب اختفى، فالصفعة التي تلقتها واشنطن مؤلمة جدا، حتى لو حاول الأميركيون إظهارها بعكس ذلك، كما لن يفيدهم إظهار ضبط النفس في أي شيء أمام العالم.اضافة اعلان
ترامب أكد الأمر، وقال إنه وبعد معرفته أن الضربات التي كان الجيش الأميركي سيوجهها إلى ثلاثة أهداف إيرانية، ستقتل 150 شخصا، أمر بوقف الهجوم. والمشكلة أنه أراد أن يظهر بوجه إنساني لا يتناسب مع شخصيته حين أكد أن ضربة مثل هذه لا "تتناسب مع إسقاط طائرة مسيرة غير مأهولة"!
لكن ما لم يتطرق إليه ترامب، هو أن إيران بإسقاطها الطائرة الأميركية بهذا الشكل المهين، وعرضها الحطام على شاشتها الوطنية، إنما تؤكد بشكل لا يدع مجالا للشك استعدادها التام للحرب، وأنها لن تجلس إلى طاولة المفاوضات في ظل هذا الوضع المهين لها كقوة تكاد تكون وحيدة في منطقة أصبحت هي اللاعب الأساس فيها.
ومع ذلك، تبدو منطلقات ترامب من وقف الضربة بعيدة أيضا عن منطلقات إيران، فطهران التي اختارت توقيتها المناسب لـ"التحرش" بواشنطن بهذا الشكل المعلن، تعرف تماما أنها اختارت وقتا عصيبا بالنسبة للرئيس الأميركي الذي أطلق حملته الانتخابية لولاية ثانية قبل أيام قليلة فقط، معتبرا في مهرجان حاشد أن اقتصاد بلاده الآن موضع حسد العالم، وربما "أعظم اقتصاد حصل عليه الأميركيون في تاريخ بلادنا".
ترامب يدرك أنه من أجل أن يبقى الحال على ما هو عليه، لا بد إذن من أن تبقى أسعار النفط رخيصة، وإلا تغيرت أحوال الاقتصاد في بلاده، ويعرف كذلك أن أي حرب أو تلويح بها في منطقة الشرق الأوسط ستشعل أسعار النفط إلى مديات غير متوقعة، وسيكون اقتصاد بلاده خاسرا كبيرا فيها، وبالتالي سينعكس ذلك على الناخب الأميركي الذي لا تعنيه إيران ولا كل العالم، بل يعنيه بالضرورة انخفاض النفط والأسعار ونسب البطالة والفقر، والتأمينات الصحية، وأن يبقى اقتصاد بلاده قادرا على توليد مزيد من فرص العمل باستمرار.
ترامب يعلم أن مواطنيه يفكرون على هذا النحو، لذلك فقد وعدهم بمزيد من النمو الاقتصادي خلال إطلاقه حملته الثانية، وهو ينوي تحقيق ذلك بالفعل، مهما كلفه الأمر، حتى لو كان التغاضي عن الكرامة الوطنية التي مرغتها إيران، والتي تدافع هي الأخرى عن كرامتها الوطنية في وجه الصلف الأميركي الوقح، كما أنها تدافع عن المكان الذي حجزته بجدارة كلاعب لا يمكن التجاوز عنه، بعدما فشل العرب بمجموعهم، أن يثبتوا حضورهم.
لكن، قبل ذلك، يريد ترامب أن تكون عودته الثانية إلى البيت الأبيض مضمونة، وهو يعلم أنه ما إن يضغط على الزناد باتجاه إيران، فإن حسابات كثيرة تدخل في المعادلة، من ضمنها ما تبدت عليه إيران من تطور عسكري وتكنولوجي، وهو أمر لن يجعل عساكره يأتون إلى المنطقة كنزهة، بل ستكون هناك خسائر فادحة في الطرف الأميركي، من الممكن أن تقصيه عن حلم الوصول إلى المكتب البيضاوي مرة أخرى.
إيران بدت دولة قوية ومتطورة، وقادرة على قلب الأمور رأسا على عقب، لذلك فإن ترامب بتوريط نفسه في حرب لن يخرج منها منتصرا، فإنه قد يمنح الديمقراطيين فرصة ذهبية لهزيمته، بعد أن تكون طهران مرّغت بكبريائه الأرض، خصوصا مع التطور التكنولوجي الذي ظهر وفاجأ الجميع من خلال رصد الطائرة المتطورة تكنولوجيا، وتوجيه ضربة دقيقة لها فوق ارتفاع 65 ألف قدم!!