أسباب غير سعيدة تجعلنا على حافة حرب أخرى في لبنان

جندي إسرائيلي يلقي قنبلة يدوية على مخبأ لحزب الله خلال حرب لبنان للعام 2006 – (أرشيفية)
جندي إسرائيلي يلقي قنبلة يدوية على مخبأ لحزب الله خلال حرب لبنان للعام 2006 – (أرشيفية)

توماس ي. ريكس* - (فورين بوليسي) 19/10/2017

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تميل المحادثات مع الإسرائيليين هذه الأيام إلى أن تنتهي جميعاً في مكان واحد: ذريعة الحرب. وعلى وجه التحديد، ذريعة الحرب -التي من شأنها أن تشعل جذوة الحرب المقبلة في لبنان. وبالنسبة لأولئك الذين يتساءلون عن الكيفية التي ستبدأ بها حرب لبنان الثالثة، يتفق الإسرائيليون من مختلف المشارب السياسية على الآتي: إذا حرك حزب الله صواريخه الدقيقة إلى منطقة الحدود الجنوبية للبنان، فإن إسرائيل سترد بالقوة.
وليست هذه معلومات جديدة. فبعد خسائرها في حرب لبنان الثانية التي وقعت في العام 2006، استعرضت قوات الدفاع الإسرائيلية أخطاءها العسكرية، وهي تستعد الآن للصدام المقبل مع حزب الله. وفي أيلول (سبتمبر) 2017، أطلق الجيش الإسرائيلي لعبة حرب تضم محاكاة لمثل هذا الاشتباك. وفيها تدربت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على التحول من موقف دفاعي إلى موقف هجومي، وقامت بتنفيذ مناورات مصممة للتعامل مع التضاريس في جنوب لبنان. وقد تم توجيه موارد استخباراتية كبيرة نحو تقييم مدى نجاح إيران في تسليح حزب الله على مدى السنوات العشر الماضية. وإذا كانت إسرائيل قد أخطأت في تقدير حزب الله وقللت من شأنه في العام 2006، فإنها لن تفعل ذلك مرة أخرى -ويتفق معظم المراقبين على أن كبار الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي يهيئون الآن لخوض حرب فوضوية مطولة.
لا تحاول إسرائيل بالضرورة أن تتجنب خوض هذه الحرب، مهما كان ما تعِد به قبيحاً. وفي حقيقة الأمر، يتفق الإسرائيليون عموماً على أن الصدام مع حزب الله هو أمر لا مفر منه، بل وربما يكون مواتياً وفي محله، نظراً للوضع الراهن في لبنان. وعلى الرغم من أن القدرة التكتيكية الحالية لحزب الله أصبحت أفضل بما لا يقاس مما كان في ترسانته في العام 2006، فإنه ليس سراً أن تورط حزب الله في الحرب السورية كان أكثر تكلفة مما يريد نصر الله أن يعترف به. ومن المؤكد أن قوات الكوماندوز التابعة لحزب الله تتمتع الآن بخبرة قتالية كبيرة، ولكن الخسائر في الأفراد والمعدات -ناهيك عن العقدة السياسية المتشابكة التي ربط الأسد المنطقة بها- تعني أنه ليس لدى نصر الله ومساعديه الكثير من الحافز لبدء صراع جديد على أرضهم.
يشير التركيز على المناورات البرية إلى أنه عندما تشتعل جذوة الاشتباك، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي يعتزم استخدام قوته المتفوقة لإجبار حزب الله على خوض حرب تقليدية -في اختلاف كبير عن حرب لبنان الثانية؛ حيث اعتمد جيش الدفاع الإسرائيلي على القصف الجوي لتأمين جنوب لبنان. وكان استخدام القوة الجوية لتدمير صواريخ الكاتيوشا التابعة لحزب الله استراتيجية خاسرة بوضوح. وفي واقع الأمر، كما يقول مقال داود، فإن هناك سبباً جوهرياً للاعتقاد بأن الحرب المقبلة سوف تبدو أقرب شبهاً بحرب لبنان الأولى في العام 1982. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن يعتمد حزب الله التكتيكات التي اعتمدتها منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1982: جعل الغزو البري مكلفاً قدر الإمكان بالنسبة لإسرائيل، ولبنان، والمجتمع الدولي.
ما الذي يمكن أن تفعله قوة عظمى في وضع كهذا؟ إذا كان الطرفان يعتقدان -إلى درجة معينة- أن الحرب أمر لا مفر منه، فإن المطالبات بضبط النفس والدبلوماسية سوف تقع على آذان صماء. ومن دون قيادة أخلاقية أو استراتيجية، لا يمكن للولايات المتحدة أن توقف حسن نصر الله أو نتنياهو عن الشروع في حرب حمقاء. وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدرس بعناية موقفها المستقبلي المحتمل، وأن تستعد لاختبار لا مفر منه لتحالفاتها الإقليمية وموقفها العالمي.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن تعترف بأن أي اشتباك بين إسرائيل وحزب الله سوف يتطور في نهاية المطاف إلى حرب إسرائيلية-لبنانية. ولا يمكن إغفال حقيقة أن الحزب السياسي لحزب الله هو الشريك الحاسم في الائتلاف الحاكم للرئيس اللبناني ميشال عون الذي تولى السلطة بعد عامين من الجمود البرلماني. وقد تحالف عون، الماروني المسيحي، مع نصر الله فيما يعود في جزء منه إلى استمرار الخلافات والمشاعر السيئة بين المسيحيين اللبنانيين من الفترة الأخيرة من الحرب الأهلية. ويتمتع عون بولاء شخصي كبير من القطاعات الرئيسية في الجيش اللبناني، وهو هيئة تتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة. وتبدو المضاعفات المحتملة الناجمة عن سيناريو محتمل يشارك فيه الجيش اللبناني في القتال بين حزب الله والجيش الإسرائيلي واضحة.
ثانياً، كما يجب على الولايات المتحدة أن تعترف أيضاً بأن نشوب حرب في لبنان سوف يشكل تهديداً وجودياً للأردن. ويستضيف لبنان الآن مليوني لاجئ سوري، وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، فر ما يقرب من مليون لبناني من البلاد. ويقدر عدد اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن بحوالي مليوني لاجئ، بالإضافة إلى الملايين من اللاجئين الآخرين -معظمهم من الفلسطينيين والعراقيين- الذين عاشوا هناك لسنوات. وسوف يؤدي تدفق لاجئين إضافيين إلى تهديد خطير لاستقرار الأردن، الذي لطالما اعتمدت عليه المنطقة على مدى عقود.
قد ترى إدارة أميركية أخرى في هذه العاصفة المتجمعة فرصة لتطوير علاقة أكثر قوة مع إيران. ولا يصب نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله في المصالح الإقليمية الإيرانية المباشرة، نظراً لاحتمال القضاء على حزب الله في مثل هذه الحرب. وربما يمكن لحوار جريء في مسار ثان مع إيران أن يفتح الأبواب أمام إيران للضغط على حزب الله من أجل نزع التصعيد، وأن يتيح فرصة للعمل المشترك بين إيران والولايات المتحدة في منطقة لا تتصل مباشرة بالقضية النووية.
كما يقول واقع الأمور، فإن الدبلوماسية الاستباقية لن تتجسد. ومن موقع رد الفعل، يجب على الولايات المتحدة النظر في اتباع استراتيجية "فرز" ذات شقين: تقديم تأكيد علني قوي على السيادة اللبنانية (وعلى قيادة ميشال عون)؛ والتزامات كبيرة غير معلنة للأردن بتزويده بالمعدات العسكرية. وسوف يكون لمثل هذه التحركات تأثير مركب من التأكيد على دعم الولايات المتحدة للوضع الإقليمي الراهن -وهو موقف إشكالي، ولكنه سيكون في مثل هذا السيناريو الخيار الأفضل بين سلسلة من الخيارات السيئة. وكخطوة ثانية مهمة، سوف تحسن الولايات المتحدة صنعاً إذا هي قامت بتنويع اتصالاتها مع دول الشرق الأوسط، وعملت على الوصول إلى قادة المنظمات غير الحكومية من خلال قنوات مسار ثانٍ لتأسيس قاعدة أوسع للعلاقات الإقليمية.
كانت حرب لبنان الأولى قد بدأت باجتياح إسرائيلي كان يهدف إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية مرة وإلى الأبد. وفي البداية، رحب المواطنون في جنوب لبنان، الذين كانوا يشعرون بالضجر من عرفات ومقاتليه، بدخول الجيش الإسرائيلي إلى قراهم. ولكن، بعد سنوات من الحرب والاحتلال في وقت لاحق، شرع هؤلاء اللبنانيون الفقراء في معظمهم، والشيعة في غالبيتهم، في الرد على الوجود الإسرائيلي بالقتال. وقد لاحظ رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، في العام 2006: "لقد كان وجودنا (في جنوب لبنان) هو الذي خلق حزب الله في المقام الأول". وهكذا، كان حزب الله من خلق حرب لبنان الأولى، وعلى العالم أن يتوقع أن تحمل حرب لبنانية ثالثة ثمرة مشابهة.

*غطى شؤون الجيش الأميركي في الفترة ما بين العامين 1991-2008 لصالح صحيفة "وول ستريت جورنال" ثم صحيفة "الواشنطن بوست".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Some unhappy reasons for why we are on the verge of another war in Lebanon

اضافة اعلان

[email protected]