أسبوع ثان من الإضراب

يبدأ غدا أسبوع ثان من العام الدراسي الجديد، وما تزال العملية التعليمية برمتها متوقفة، نتيجة الإضراب المفتوح الذي أعلنه المعلمون للمطالبة بعلاوة الـ50 %.اضافة اعلان
الطرفان يمارسان تعنتا غير مبرر، ولا ينتبهان إلى أن المتضرر الأول من هذا الصراع هم أبناؤنا الذين انقطعوا عن التعليم، ولا نعلم حتى اليوم الطريقة التي يمكن تعويضهم بها ما فاتهم، حتى لو قال لنا القائم بأعمال نقيب المعلمين إنهم يملكون خطة لذلك!
ومن أجل عدم الدخول في مزاودات مع أي أحد، فإنني أؤكد بأنني أقف، ومنذ اللحظة الأولى، إلى جانب المعلمين في مطالبتهم بالعلاوة، وربما بأكثر من ذلك، خصوصا حين ندرك أن الوضع الاجتماعي للمعلم تدهور كثيرا خلال العقود القليلة الماضية، وتراجعت النظرة إلى المهنة التي كانت في يوم ما واحدة من المهن التي يقدسها ويجلها المجتمع. نحتاج كثيرا إلى إعادة الهيبة للمعلم، وأن يعود شخصية محورية في مجتمعه، وأظن أن هذا الأمر يدخل في مسألة إصلاح التعليم ككل، فما هي القيمة الإضافية لتغيير المناهج وتطوير سبل التعليم حين يظل المعلم قابعا في أدنى درجات السلم المجتمعي؟!
لكن، وبرأيي الشخصي، لم يستطع مجلس نقابة المعلمين إدارة معركته مع الحكومة بالشكل الصحيح، فالقفز منذ اليوم الأول باتجاه الإضراب المفتوح، وحرق كثير من المراحل التي كان يمكن لها أن تكون أوراق قوة في يده، جعله يقف على خط النهاية من دون أن يحقق شيئا، بينما بذور الهزيمة تلوح في الأفق، حتى لو تشبث بالمطالب والإضراب.
المجلس متصلب في رأيه، وهو لا يريد الدخول في مفاوضات حقيقية لـ"حلحلة" الأمور. لكن الحكومة، أيضا، تتحمل وزر ما حصل، فحين تترك الأمور من غير نقاش على مدى أشهر طويلة، ولا تنتبه إلى مطالب المعلمين إلا في اللحظات التي يدخل الطلبة عامهم الدراسي الجديد، تكون بذلك كما لو أنها ترسل رسالة بعدم اهتمامها بحقوق هذه الفئة، وبأنها مستهترة بمطالباتها، علاوة على الطريقة التي تعاملت فيها مع الاحتجاجات يوم الخميس قبل الماضي، والتي ما يزال المركز الوطني لحقوق الإنسان يحقق في التجاوزات التي حصلت يومها.
التعنت الحكومي غير مبرر، خصوصا حين تربط رفضها إقرار العلاوة بسبب كلفته على الخزينة، التي تقول إنها في حدود 112 مليون دينار سنويا، بينما يقول مجلس الاستراتيجيات بأنها قد تكلف بين 130 و140 مليونا سنويا. هذا رقم ليس كبيرا في كل المقاييس، خصوصا حين نرى التوسع في الإنفاق الحكومي، والذي اعتبرته مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني "نقطة ضعف أساسية" في مسار الإصلاح الاقتصادي.
إذا كان من الصعب على الحكومة إقرار العلاوة مرة واحدة، فمن الحكمة أن تفاوض المعلمين على "جدولة" هذه العلاوة على مدى سنوات، وأن تضع في خططها المالية المستقبلية مخصصات لها.
التشبث بالمواقف من الطرفين لن يخدم المصلحة الوطنية، ووضع شروط أمام استئناف الحوار سيؤدي إلى تعقيد المسائل أكثر. وأيضا، هناك غياب لاستراتيجيات التفاوض، وللواقع الذي يقودها وهو أن على كل طرف يدخل في أي مفاوضات أن يضع في حسبانه أنه لن يحقق جميع المطالب، أو أنه لن يحققها دفعة واحدة. إذا أغلقنا الخيارات أمام من نفاوضهم، فنحن نكون بذلك قد أغلقنا باب الحوار تماما.
الطرفان اليوم؛ الحكومة والمعلمون، صعدا إلى الشجرة نفسها، ويحتاجان إلى حكماء لكي يهبطا عنها بسلام، لا أن يبقيا على هذا التعنت وكأنهما لا يريان خسارات كثيرة نسجلها يوميا!