"أسطوانة" الدعم.. متى تنتهي؟

سلامة الدرعاوي لا يوجد موضوع يتداوله الأردنيون سواء أكانوا أفراداً أم حكومات خلال العقود الماضية أكثر من موضوع الدعم في الموازنة الموجه للسلع والخدمات. كل حكومة تتخذ من هذا الدعم حجة لتسويق سياساتها وإجراءاتها التي سرعان ما تأتي حكومة بعدها لتلغيها أو تعدلها أو تتجنبها، ونعود للمربع الأول. كل حكومة بلا استثناء، وفي حالة تنامي عجز الموازنة تحديداً تعود إلى الحديث عن الدعم المقدم للمواطنين باعتباره تشوهاً مالياً في الموازنة يستفيد منه الغني والفقير على حد سواء، والغريب في الأمر أن كل قرارات إلغاء الدعم التي حدثت في الموازنات السابقة بفضل قرارات حكومية كانت تشعرنا أن الدعم قد تقلص كثيراً ولم يعد موجوداً في بعض السلع والخدمات، لنتفاجأ أن هذه الأسطوانة لم تنته بعد، وأن الدعم مستمر، وكأن الحكومة قاصدة بأن يستمر هذا الأمر بهذا الشكل حتى تكون لها يد طولى في كل ما ترغب باستحداثه من قرارات وإجراءات مختلفة. لا شك أن وجود الدعم بهذا الشكل في الموازنة والذي قد يقترب حجمه الإجمالي من 800 مليون دينار في الموازنة العامة والوحدات المستقلة، يشكل خللاً اقتصادياً كبيراً وتشوهاً مالياً، وهو لا خلاف عليه اقتصادياً، لكن بقاءه بهذا الشكل الذي لا ينتهي، يشكل هو الآخر تشوهاً اقتصادياً في السياسة الاقتصادية للدولة التي تتعامل معه وفق المعطيات البعيدة كل البعد عن السياسة الاقتصادية. مخصصات الدعم معروفة في توجهها، فهي مخصصة أساساً لدعم الكهرباء والمياه والخبز والأعلاف والجامعات والمعالجات الطبية وغيرها من بنود مرصود لها، وجميعها بلا استثناء، باب التسلل مفتوح فيها على مصراعيه، لدخول فئات غير مستحقة للدعم، تحت أشكال مختلفة، وبعضها ضمن القانون والتعليمات الحكومية التي لا تراعي وصفاً دقيقاً وعلنياً لكلمة الدعم ومن يستحقه فعلياً. في المملكة ما تزال آليات الدعم مشوهة، وجزء كبير منه يصرف لغير مستحقيه مثلما هو الحال في المعالجات الطبية أو دعم الخبز أو الأعلاف، فهناك شريحة واسعة من المستفيدين من الدعم هم من ميسوري الحال، والأساس أن الدعم يوجه لفئات محدودة الدخل أو متوسطة، وليس من باب تحسين الأحوال كما يراه البعض، وهنا الدولة مطالبة بوضع آلية علمية لمن يستحق هذا الدعم، كفاقد العمل والأيتام والأسر التي لا معيل لها ومن يقع تحت خط الفقر المدقع وغيرها من الشروط حتى يسهل على الخزينة إيصال الدعم لمستحقيه الحقيقيين. من يصدق أن كلفة دعم أسطوانة الغاز تجاوزت الـ70 مليون دينار العام الماضي، تذهب غالبيتها إلى الذين يستهلكون كميات أكبر من أسطوانات الغاز، وهم طبعاً من ميسوري الحال، في حين أن استهلاك باقي الأسر الأردنية لا يتجاوز الأسطوانتين في الشهر. إدارة الدعم بهذا الشكل والحديث المزعج من عام لآخر لا يدفع باتجاه إصلاح حقيقي خاصة أن الدولة بأمس الحاجة اليوم لإدارة مواردها بكفاءة عالية وتوزيعها بشكل يحقق العدالة، فهذا الشكل من الدعم الموجود حالياً هو شكل من أشكال الهدر المالي ، فهو لا يميز بين الفقير والغني، فالكل سواسية لديه. لا بد أن تتجه السياسة المالية للدولة لإعادة النظر في آليات الدعم وتأسيس قاعدة بيانات حقيقية ودقيقة عن الحالة الاقتصادية للمواطنين، بحيث تكون نقطة انطلاق لمعالجة جذرية لموضوع الدعم من خلال إلغائه بالكامل وبيع كل السلع والخدمات بأسعارها الحقيقية، وتخصيص مبالغ الدعم في الموازنة لزيادة المعونات والرواتب بصورة مباشرة بمقدار الزيادة في الأسعار لتعويض الأسر والأفراد إلغاء الدعم المباشر للسلع وتوجيهه نحو المستحقين مباشرة. لكن للأسف أكثر الإجراءات الحكومية فشلاً في تطبيقها هي إيصال الدعم المالي لمستحقيه الحقيقيين، فهذا شعار رفعته كل الحكومات نظرياً، وأخفقت به عملياً، وكأن الحكومة تتقصد استمرارية العمل الإعلامي بالحديث المتواصل عن ” أسطوانة الدعم” وباستمرارية إدارة المشهد في كل عام بذات الأسلوب دون مواجهته بالشكل العلمي والعملي الصحيح، لدرجة أن الشكوك باتت تظهر بأن هذا العمل وهذه الاستدامة بهذا الحديث المتواصل عن الدعم، أمر مقصود على الصعيد الرسمي. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان