أسطورة النسوية المحافظة

جينا هاسبيل، المديرة الجديدة لوكالة الاستخبارات المركزية، في جلسة المصادقة على تعيينها في مجلس الشيوخ  –  (أرشيفية)
جينا هاسبيل، المديرة الجديدة لوكالة الاستخبارات المركزية، في جلسة المصادقة على تعيينها في مجلس الشيوخ – (أرشيفية)

جيسيكا فالنتي* – (نيويورك تايمز) 19/5/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يوم الخميس قبل الماضي، أقر مجلس الشيوخ تعيين جينا هاسبيل، اختيار الرئيس ترامب لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو ما جعلها أول امرأة تشغل هذا المنصب. وفي نفس اليوم، أعلنت محطة "فوكس نيوز" أن سوزان سكوت ستكون أول رئيسة تنفيذية للشركة.
ثمة افتقار واضح إلى احتفال نسوي بصعود هؤلاء النساء لتولي هذه المناصب الهامة -وهو غياب انتقده الجمهوريون باعتباره نوعاً من النفاق والازدواجية. ألا يجب أن نسعَد -نحن النسويات- بهذه السقوف الزجاجية التي تحطمت؟
ولكن، على الرغم من أن هذه التعيينات تشكل حدثاً رائداً، فإنه ليس ثمة ما هو نسوي في ارتقاء امرأة أشرفت على موقع تعرض فيه المعتقلون للتعذيب، والتي ترفض أن تقول ما إذا كانت تعتقد بأن التعذيب هو ممارسة غير أخلاقية. وبنفس الطريقة، لا يوجد شيء "تمكيني" للمرأة في قصة السيدة سكوت، وهي مديرة تنفيذية إعلامية يقال إنها فرضت ارتداء "التنورة القصيرة" لإظهار الموهبة الأنثوية على الهواء، والتي ورد ذكرها في اثنتين من الدعاوى القضائية للمساهمة في خلق بيئة عمل سامة والانتقام من ضحية للتحرش الجنسي. (أنكرت السيدة سكوت هذه التقارير وتمت تسوية الدعاوى القضائية).
ليست النسوية هي الدعم الأعمى لأي امرأة تصعد إلى سدة السلطة. والازدواجية السياسية الحقيقية هنا هي الجهود المستمرة التي يبذلها الجمهوريون لاحتواء اللغة النسوية، بينما يقومون في الواقع بإعاقة حقوق المرأة بنشاط.
يستغل المحافظون الخطاب النسوي، على الرغم من سجلهم السيئ في موضوع حقوق المرأة، فيما يأتي –في جزء منه- نتيجة للتفرقة الواضحة التي يمارسها الرئيس ترامب على أساس الجنس. ويحتاج المحافظون الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يُظهروا أنفسهم على أنهم أصدقاء للمرأة من أجل إعادة تأهيل صورتهم لدى الناخبات الإناث.
لعل السبب في قدرتهم على ادعاء الانتصار للنسوية أكثر تعقيداً بعض الشيء، لأن النسويات أنفسهن -بمن في ذلك أنا نفسي- ساعدن في إتاحة ذلك. وقبل أن تبيع أسواق وول مارت القمصان "النسوية" قصيرة الأكمام وقبل اعتناق المشاهير للقضية، عملنا نحن على جعل ادعاء النسوية أسهل منالاً.
لقد أردنا الوصول إلى النساء الشابات اللاتي قلن إنهن "لم يكن نسويات أو مناصرات للنسوية حقاً"، وإنما يعتقدن أنهن يجب أن يحصلن على نفس القدر من المال مثل الرجال أو أن يتمكن من حضور حفلة في الحرم الجامعي بلا خشية من التعرض للاعتداء. وكان الأمل هو جعل المصطلح أقل رعباً لأولئك اللاتي يؤمنّ بالقيم النسوية، لكنهن يتجنبن وسمهن بشاخصة النسوية.
وفي إطار حرصنا على جعل الحركة النسائية أكثر صداقة مع الاتجاه السائد، لم نكن نفكر تماماً في ما يعنيه أن يصبح بوسع أي امرأة أن تتقمص الشاخصة.
لسنوات عديدة، وصف أولئك الذين واللواتي على اليمين الناشطات النسويات بأنهن "كارهات الرجال" العاكفات على تدمير العائلة، أو جادلوا بأننا أعضاء في حركة غير ذات صلة. والآن، وقد أصبحت الحركة النسوية أقوى ثقافيا وسياسيا مما كانت عليه منذ عقود، أصبح المحافظون حريصين على الاستفادة من دمغتها. أو أنهم يحالون استخدامها كهراوة.
على سبيل المثال، قال المعلق المحافظ تومي لارين، أن أي امرأة لا تدعم أعمال إيفانكا ترامب التجارية بسبب سياسات والدها ليست "نسوية" حقاً. وعندما لم تقم "مسيرة النساء" بدعوة منظمة مناهضة للإجهاض للمشاركة في احتجاجها في واشنطن في العام 2017، هاجمت وسائل الإعلام اليمينية المنظمين باعتبارهم إقصائيين. وقبل المصادقة على تعيين السيدة هاسبل، انتقدت سارة هاكابي ساندرز، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أي ديمقراطي "يدعي دعم تمكين المرأة" لكنه يعارض ترشيح السيدة هاسبل، باعتبار أنه "منافق بالكامل".
وقد سمعنا هذا النوع من الخطاب من قبل. فعندما كانت سارة بالين مرشحة لمنصب نائب الرئيس في العام 2008، اقترح المحافظون أن النسويات كن منافقات لأنهن لم يدعمن ترشيحها.
وفي العام 2015، وجهت القيادات النسائية المحافظة نفس الانتقادات إلى المدافعين عن حقوق المرأة لعدم التفافهم حول المسعى الرئاسي لكارلي فيورينا. وفي مقال رأي في مجلة تايم، تساءلت بيني نانس، رئيسة "نساء قلقات من أجل أميركا"، ومارجوري دانينفيلسر، من مجموعة مناهضة للإجهاض، تدعى "قائمة سوزان ب. أنتوني": "لماذا تتحول الكثيرات ممن يدافعن بقوة عن وصل مزيد من النساء إلى المناصب، والمزيد من ترشح النساء للوظائف العليا، ليقفن بطريقة مقيتة ضد النساء المحافظات الراغبات في التقدم للمناصب"؟
هذه حجة جوفاء من الحزب الجمهوري، والتي لا تفعل أي شيء لخدمة إعطاء الأولوية لتمثيل النساء. والحقيقة هي أنه في حين أن النسوية لا يلزم أن تكون معقدة –فهي حركة من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية- فإنها ليست متاحة للجميع.
لقد استفادت النساء مثل جينا هاسبيل وسوزان سكوت من الحركة النسوية بكل تأكيد. فمن دون النسوية، من المرجح كثيرا أنهما ما كانتا لتحصلا على المناصب التي لديهما الآن. لكن الاستفادة من المكاسب التي حققتها النسوية لا تجعل من الشخص نسوياً. ويصبح هذا صحيحاً على نحو مضاعف إذا كنت تعمل على الحد من حقوق المرأة، كما تفعل إدارة ترامب.
لا يمكنك أن تكون نسوياً وأن تدعم في الوقت نفسه سياسة هجرة تبعد الأطفال عن الأمهات المهاجرات اللواتي لا يحملن الوثائق. ولا يمكنك أن تكون ناشطاً نسوياً وأن تتماشى مع السياسة المحلية التي أعلن عنها البيت الأبيض حديثاً، وهي ولاية ستحجب التمويل عن أي مركز للرعاية الصحية يساعد المريضات في العثور على خدمات الإجهاض.
إن تكديس القوة المهنية على حساب النساء الأخريات ليس نسوية -إنه مصلحة ذاتية.
لكن الخبر السار هو أن الحركة النسائية الحقيقية تبلي حسناً الآن أكثر من أي وقت مضى. وقد شاركت ملايين النساء في مسيرات في كل أنحاء البلاد رداً على انتخاب ترامب، وشرعت مزيد من النساء ذوات التوجهات النسوية في الترشح للمناصب، وأصبحت النساء الأصغر سناً متحمسات بشكل متزايد لتحقيق العدالة الاجتماعية. وكان هذا كله نتيجة مباشرة للعقد الأخير من العمل النسوي.
الآن لدينا مهمة مختلفة: حماية الحركة ضد محاولة المحافظين الاستيلاء عليها. وقد قطعنا شوطاً طويلاً يحيث لا يمكن أن نسمح لليمين بإغراق حركة معرَّفة جيداً من أجل خدمة مكاسبه القاتمة -لأنه إذا كانت النسوية تعني التصفيق "لأي شيء تفعله المرأة" -حتى إيذاء النساء الأخريات– فإنها ستصبح بلا معنى.

*ناشطة نسوية، ومؤلفة لستة كتب عن النسوية، آخرها "الكائن الجنسي".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Myth of Conservative Feminism

اضافة اعلان

[email protected]