أسلحة الدمار والتخريب السيبراني

من آخر ما حملته أخبار الأمن السيبراني هو استيلاء قراصنة على عملات رقمية تقدر قيمتها بـ100 مليون دولار من شركة ليكويد اليابانية قبل بضعة أيام، وقبلها بأسبوع، تعرضت شركة بولي نيتورك لسرقة أصول تقدر قيمتها بنحو 600 مليون دولار. فحوادث أمن المعلومات أصبحت متكررة الحدوث وسريعة الوتيرة مما جعل مجلة الغارديان تنشر مقالا مطولا مؤخرا بعنوان "عصر الهجمات السيبرانية- كفاح الولايات المتحدة للحد من زعزعة الاقتصاد الرقمي". وقبل أسابيع قليلة ضجت وسائل الإعلام العالمية، بالحديث عن اختراق أمني كبير، وقفت خلفه حكومات ودول من خلال برنامج "بيغاسوس" (Pegasus) الذي طورته مجموعة "إن إس أو" "الإسرائيلية"، واستخدمته في التجسّس على شخصيات مهمة جداً في دول عديدة. موضوع الأمن السيبراني قفز إلى رأس أجندة اللقاءات الإستراتيجية التي تجمع رؤساء الدول والحكومات الكبرى، وقد تجلى ذلك في لقاء الرئيس الأميركي بايدن ونظيره الروسي بوتين مؤخرا في جنيف، حيث تبين أن هذه القضية تحظى بأولوية على جدول أعمال النقاشات الجارية بين موسكو وواشنطن، وموسكو وعواصم غربية أخرى. والملفت للانتباه هو تجنب واشنطن وموسكو الكشف عن تفاصيل الحوارات الجارية، ورفض الكشف عن أجندة حوارهما حول الأمن السيبراني. في تقريره السنوي الأخير حول المخاطر العالمية، وصف المنتدى الاقتصادي العالمي الهجمات الإلكترونية جنبا إلى جنب مع أسلحة الدمار الشامل والتغير المناخي كمخاطر رئيسية على الأمن العالمي. حيث باتت المخاطر الأمنية لا تتوقف عند التجسس وسرقة الأموال، فقد شهد العالم حوادث من نحو تعطيل أحد أكبر خطوط نقل النفط في الولايات المتحدة لعدة أيام، وتعطيل محطة الكهرباء الرئيسية في أوكرانيا، وتخريب أجهزة الطرد المركزي في المفاعلات النووية الإيرانية، والتدخل في الانتخابات في الولايات المتحدة وغيرها من خلال هجمات سيبرانية يبدو أن دولا أو منظمات قوية تقف خلفها. قبل نحو شهرين، اعتمدت روسيا إستراتيجية الأمن القومي الجديدة، وأدرجت "التحديات الرقمية" كجانب مهم من الإستراتيجية الأمنية. وظهر من هذه الاستراتيجية أن أمن المعلومات يشغل أولوية على جدول أعمال روسيا على المستويين الخارجي والداخلي. ويتحدث الروس عن مصطلح "السيادة الرقمية"، وهذا ربما يوضح ملامح الإستراتيجية الروسية لمواجهة الهيمنة الأميركية والغربية على الشبكة العالمية، وتوظيف الأمن السيبراني في هذا المجال. دفعني كل ذلك للبحث حول إمكانية تصنيف بعض أشكال الهجمات السيبرانية و"الأسلحة السيبرانية" كأسلحة دمار شامل، بعد أن توفرت شواهد عديدة لإمكانية إحداث دمار وتخريب هائلين من خلال هذه الأدوات، وقد وجدت دراسة بعنوان " تصنيف فئة من الأسلحة السيبرانية على أنها أسلحة دمار شامل: المزايا والعيوب". صدرت عن كلية الحرب الجوية، الجامعة الجوية في أميركا في العام 2018. لـ" اللفتنانت كولونيل بنيامين هاتش". وقد تعرض الباحث باستفاضة للنقاش حول الموضوع وتقييم مصلحة الولايات المتحدة في كلتا الحالتين، وتوصل إلى أن "معايير أسلحة الدمار الشامل من الممكن أن تنطبق على أسلحة سيبرانية تبنى بشكل معين"، ولكن يبدو أن هناك حسابات مصالح للولايات المتحدة، وبرامج غير معلنة تؤثر في اتخاذ هكذا قرار، لذلك ركز الباحث في توصياته على اعتماد "الردع السيبراني"، و"المشاركة الدولية" لمواجهة المخاطر الأمنية السيبرانية. أما الأمم المتحدة فما زالت بعيدة عن لعب دور مهم في هذا المجال، فقد فشلت حتى الآن في وضع اطار قانوني للأمن السيبراني، ولا يمكن أن يكون لها تأثير قبل أن يحدد الكبار ماذا يريدون والمربع الذي يمكن أن تلتقي فيه مصالحهم.اضافة اعلان