أسلوب الحياة في مواجهة تحولات سريعة

الحديث عن أسلوب الحياة ليس شأنا ترفيهيا، ولا يقتصر كما جعله يتبادر إلى الذهن تلقائيا منظومة معزولة وأنيقة من الأفكار والسلوك مقاولون وموردون إعلاميون يذكرون بمقولة الحطيئة "يخال الرغيف بدرا" لكنهم يفكرون على نحو معكوس؛ يخالون البدر درهما، لكن أسلوب الحياة هو أساس التقدم أو التخلف أو هو العمود الفقري للحياة نفسها، إنه ببساطة الوعي المسبق والواضح بما نحب أن نكون عليه وما يجب أن نكون عليه. يقول الفيلسوف الأميركي وليام جيمس (1842 – 1910) إن الاكتشاف الأعظم الذي شهده جيلي والذي يقارن بالثورة الحديثة في الطب والعلوم هو معرفة البشر أن بمقدورهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية. لقد تقدمت الأمم بأسلوب الحياة أكثر مما تقدمت بالعلوم والصناعات، وعلى سبيل المثال فقد كان للاتجاهات الاجتماعية والسلوكية الحديثة نحو التغذية والنظافة تأثير كبير وعميق في تحسين الحياة والصحة وإطالة العمر، وقد أدى التوسع في استخدام الصابون إلى الوقاية من الأمراض أكثر من الأدوية والعلاج. إن حياتنا التي نعيشها اليوم في البيوت والطعام واللباس والإقامة والعمل والعلاقات الاجتماعية لا تتجاوز الجيل الثالث أو الرابع في أقصى تقدير، وهي بالنسبة للأغلبية منا تراوح بين الجيل الأول والثاني، وبالنسبة لي وكثير من أجيالي فهي مختلفة اختلافا كبيرا وجوهريا عن حياة آبائنا، وقد مضينا في حياتنا هذه مدفوعين بموجة منحسرة من الحياة والأفكار والاتجاهات، وصار لزاما علينا أن نعيد تكييف أنفسنا والجيل التالي لحياة جديدة مختلفة جذريا في مواردها وأعمالها وقيمها، .. بل ويا للهول مختلفة في معناها أيضا. هكذا فإننا نتلمس حياة جديدة لا نعرف عنها كثيرا، وليس لدينا لسوء الحظ نخب وقيادات ملهمة ومبدعة، فهي نخب آيلة للسقوط، لا تملأ مكانها ولا تملك فكرة ملائمة تدعو إليها، ولا قضية منتمية إلى الحياة الجديدة المتشكلة، والقيم والمعاني المتوقعة، ولا تتمتع بالإبداع والخيال الذي تساعد به نفسها وتقود مجتمعاتها، وفي ذلك فإن الأمة (المجموع التفاعلي والمؤسسي للدولة والسلطات والمجتمعات والأفراد والشركات والمجال العام) تحتاج أن تنشئ حياتها الجديدة من غير قيادات أو مؤسسات، .. ليس لدينا في مهمتنا الكبيرة هذه سوى الصدق وحسن النية، .. وربما نجد لدينا أو لدى بعضنا خيالا لا ينتمي إلى الأفول! كانت التلقائية والمؤسسية في مرحلتها السابقة (مازالت قائمة للأسف الشديد) تنظم الأعمال والمؤسسات من غير مشكلة كبيرة، لكنها لم تعد اليوم مجدية، وصار كل ما لدينا عديم الجدوى والفائدة؛ المدارس والجامعات والإعلام والإرشاد والدعوة والسلع والأفكار والخدمات والمهن والحرف والبيوت والغذاء والدواء والشوارع والأرصفة والساحات العامة والحدائق (ليس لدينا ولله الحمد أرصفة ولا حدائق ولا ساحات) كل ما نفعله هو الانتظار أو اللعب في الوقت الضائع. ماذا تفعل إذن اليوم النخب والجماعات والأحزاب والتيارات السياسية والأيديولوجية السائدة؟ بعضها فقد المبادرة أو لم يعد ما لديه يجتذب أو يفيد أحدا، وتحولت إلى ما يشبه مجاميع من العمالة السائبة في الميادين وجوانب الطرق تنتظر من يأتي أو يؤشر لها لتشغيلها، وظهرت مثل الفطر جمعيات ومؤسسات يغلب عليها تقديم الوهم، وليست سوى دكاكين فردية أو عائلية تمتص المعونات والمنح والتبرعات التي تحولت هي أيضا إلى شريك في الخراب، وأظهرت فئة من الناس كانت غير قادرة على الإيذاء والضرر، لكنها منحتها الموارد والقوة لتفعل ذلك، .. على سبيل المثال تحولت مكتبة للأطفال بفضل منحة أجنبية إلى مطعم تجاري بشع، وتحولت ساحة عامة وبتمويل حكومي إلى نادي مدرسة خاصة وهذا النادي تحول إلى مقهى! مشهد يذكر بمستشفى/ مأوى للأمراض العقلية أغلقت أبوابه وخرج ساكنوه إلى الشوارع والأحياء، وهناك فئة لم تتجاوز العام 1957، وأخرى تفكر وتسلك في موقع القيادة والتأثير كما لو أنها تنتقم من المواطنين! لكننا ولحسن الحظ نملك من الأمل والتواصل مع العالم ما يساعدنا، فالشبكية تغنينا بنسبة كبيرة عن النخب والمؤسسات.اضافة اعلان