أسواق العمل: ماذا بعد تقرير منظمة العمل الدولية؟

أحمد عوض إعلان منظمة العمل الدولية أن تعافي أسواق العمل العالمية قد توقف وأن أثر جائحة كورونا على الوظائف أسوأ من المتوقع، رسالة واضحة للسياسيين والمعنيين بالسياسات الاقتصادية وسياسات العمل كافة لبذل المزيد من الاهتمام بأحد أهم الملفات المرتبطة بحياة الناس اليومية. الإصدار الثامن لمرصد منظمة العمل الدولية، الذي صدر قبل أيام، ليس مبنيا على انطباعات وأفكار مسبقة، بل يستند إلى دراسات وأرقام شملت مختلف التحولات التي تجري في الاقتصادات العالمية، وهي واحدة من أقدم المنظمات الدولية المختصة بشؤون العمل، وتتسم تقاريرها بالدقة والموضوعية. خلاصة التقرير تفيد أن تداعيات جائحة كورونا على أسواق العمل لم تنته بعد، والمستقبل يحمل الكثير من التأثيرات السلبية على فرص التشغيل وظروف العمل، وأن فرص التعافي ما تزال تواجه تحديات كبيرة، بعضها مرتبط بغياب العدالة في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وبعضها الآخر مرتبط بسياسات الاستجابة الحكومية ونظم الحمايات الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم. إلى جانب ذلك، يؤشر التقرير إلى التفاوت الكبير في تأثيرات الجائحة على الوظائف وفرص العمل المتاحة وساعات العمل، حيث يتوقع أن يخسر العالم خلال هذا العام 4.3 بالمائة من ساعات العمل، أو 125 مليون وظيفة بدوام كامل، وبيّن أن الدول ذات الدخل المرتفع كانت خسارتها هي الأقل مقارنة بالدول منخفضة ومتوسطة الدخل وبفارق كبير. يعود ذلك، في جانب كبير منه، إلى جودة سياسات الاستجابة لهذه الدول التي قللت من الأضرار، إذ قدمت العديد من أشكال الدعم إلى منشآت الأعمال والعاملين فيها لتعزيز صمودها ودفعها لاستمرار أعمالها، إلى جانب تعزيزها لمحركات النمو الاقتصادي الشمولي من خلال الحفاظ على دخول العاملين، لا بل زيادتها في الكثير من الأحيان لتستمر عجلة الاقتصاد بالنمو. انخفاض ساعات العمل وخسارة الوظائف تؤديان بالضرورة إلى تراجع المستويات المعيشية للعاملين والعاملات، وتُضعف الحمايات الاجتماعية التي تتوفر لهم، إضافة إلى أنها تؤدي إلى تراجع الاستهلاك الذي هو أحد أهم محركات عجلة الاقتصاد. يؤشر التقرير أيضا إلى خطورة استمرار غياب العدالة في توزيع اللقاحات، حيث خسرت الدول التي كانت مستويات توزيع المطاعيم فيها أقل، وظائف وساعات عمل أكثر من الدول التي تمكنت من تقديم اللقاحات لقطاعات واسعة من مواطنيها والمقيمين فيها. الرسالة الأساسية للتقرير موجهة إلى الحكومات، كي لا تستكين إلى أن انحسار موجات انتشار الوباء والإغلاقات الاقتصادية بمختلف مستوياتها كفيلة بعودة الاقتصادات وأسواق العمل إلى طبيعتها، فهذه الفرضية بعيدة كل البعد عن الواقع. التعافي يحتاج سياسات للحفاظ على مداخيل العاملين والعاملات وزيادتها بما يمكنهم من الحياة الكريمة، ويمكنهم من الاستمرار في الانفاق وتعزيز الطلب المحلي لدفع النمو الاقتصادي الشمولي وتعزيزه، ولتوليد المزيد من فرص العمل اللائق. سياسات تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي على حساب الحمايات الاجتماعية، كما هو معمول به في الأردن، لن توفر فرص عمل إضافية، ولن تحل مشكلتي الفقر والبطالة، اللتين تشكلان المعضلتين الأساسيتين، وإنما ستزيد منهما، والتجربة العالمية تثبت ذلك، إذ لا توجد دولة في العالم – وفق خبراء عديدين – تمكنت من معالجة البطالة بهذه الطريقة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان